هل سمعتم عن سطيح أشهر كاهن عرفته العرب طوال تاريخها؟
هل سمعتم عن سطيح أشهر كاهن عرفته العرب طوال تاريخها؟ الكاهن الذي تكهن بخروج النبي صل الله عليه وسلم؟!
ولد سطيح الغساني لحماً على وضم (والوضم جرائد النخيل) ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والعنق والكتفين ،
ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه!
قبل بعثة النبي صل الله عليه وسلم كان العرب يضعون مكانة خاصة للكُهّان ويحترمونهم جداً ويقدرونهم ،
وكان للكاهن تقدير خاص دونًا عن بقية الناس ، لدرجة أنهم كانوا يذهبون إليه لحل قضاياهم ونزاعاتهم اليومية.
وكان وضع الكهنة قبل بعثة النبي صل الله عليه وسلم مختلف تماماً عن وضعهم بعد بعثته ،
لأن الله منع عن الجِنّ أخبار السماء بعد بعثة المصطفى ، وإذا مُنع الجِنّ عن أخبار السماء فإن الكاهن سيُمنع أيضاً ،
لأن الكاهن يعتمد على الجان حتى يتكهن للناس!
والكهنة العرب تحديدا إشتُهروا ، وكان ملوك الفرس دائماً ما يستعينوا بكهنة العرب.
ولكن الكاهن الذي سوف تقرأ عنه الآن ليس بكاهن عادي ، كاهن كان مرعب وغريب الشكل والتصرفات ،
وحتى كلامه لم يكن عادياً أبداً ، وسوف نتعرف الآن عنه وقصته من البداية إلى النهاية.
كان هناك كاهنة كبيرة في قومها تُدعى ( طريفة الحميرية ) وكان العرب يعتبرونها أمَّ الكُهّان ، حتى توفيت ،
وفي نفس عام وفاتها ولد شخص فاقها شرَّاً ورعباً ، إسمه : ربيع بن ربيعة بن مسعود بن عدي بن ذئب الغساني ، واشتُهر بإسم : ( سطيح ).
فمن هو سطيح؟
جاء عن إبن عباس أن رجلاً أتاه فقال : بلغنا أنك تذكر سطيحاً ، وتزعم أن الله لم يخلق مثله من ولد آدم؟
فقال : نعم ، إن الله تعالى خلق سطيح الغساني لحماً على وضم (والوضم جرائد النخيل) ،
ولم يكن فيه عظم ولا عصب إلا الجمجمة والعنق والكتفين ، ولم يكن فيه شيء يتحرك إلا لسانه.
بمعنى : أن سطيح وُلد مشلولاً بالكامل ولا يوجد به عظم إلا في جمجمته ، ويقال أن عظام أنفه ضعيفة جداً ،
وبالطبع لا يستطيع تحريك أي جزء في جسمه ، ولذلك سُميَّ : ( سطيح ).
إقرأ أيضا: فتاوى مهمة
كان الكهان العرب قديما يشتهرون بالسجع في كلامهم ، والسجع هو توافق العبارات أو الجمل في نهايات الفواصل.
قال تعالى : (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ ۚ قَلِيلًا مَّا تَذَكَّرُونَ)
وكان سطيح من أمهر الكهنة في السجع وكان كلامه فيه قبول عجيب عند المستمع ،
لكن حياة سطيح تغيرت تماماً عندما قابل ربيعة بن نصر ، وهو أحد ملوك اليمن.
فبعد أن كان أشهر الكهنة في قومه انتقل وصار أشهر كاهن عرفته العرب بعد لقاءه بملك اليمن!
فماذا دار بينهم؟
رأى ربيعة بن نصر ملك اليمن رؤية أفزعته وأرعبته ، فطلب جميع الحكماء والعرافين ، ومن لهم خبرة في تفسير الأحلام؟
ولكن لم يستطيعوا لها جوابا!
وكان ملك اليمن لا يطمئن لهؤلاء المفسرين ، فكان لا يقول لهم الرؤية ، بل يطلب منهم هم أن يعرفوا ما هو الحلم ويفسرونه!
فإذا قال لهم الحلم يخشى أن يخدعوه ويقولون أي تفسير كاذب ،
لذلك كان يطلب منهم الحلم وتفسيره حتى يضمن أن تفسيرهم سيكون صحيح.
في نفس الوقت الذي كان العرافين والكهنة يفشلون الواحد تلو الآخر في معرفة حلم الملك وتفسيره ،
كان سطيح يأتوه الناس من جميع القبائل العربية للفصل بين مشاكلهم وتفسير أحلامهم ولكي يتكهن بمستقبلهم ،
وكانت شهرته لا توصف عند العرب ذاك الوقت!
فدعى ملك اليمن سطيح ليفسر له الحلم ، وقال له مثل ما قال لغيره :
( لن أقول لك الحلم ، ولكن أريدك أن تقول لي ما كان الحلم الذي حلمت به وما هو تفسيره )؟
فوافق سطيح وقال له : سوف أجيبك
وبالفعل أجابه ، وحدثت واحدة من أشهر حوارات العرب عبر التاريخ.
قال سطيح للملك : رأيت أيها الملك حمحمة ( أي فحمة فيها نار ) خرجت من ظُلمة
فوقعت بأرض تهمة ( الأرض المتصوبة نحو البحر) ،
فأكلت منها كل ذات جمجمة.
إقرأ أيضا: هل تعرف العمالقة الأربعة عشر وما فعلوه مع كسرى؟
فقال الملك : ما أخطأت منها شيئاً يا سطيح ، فما عندك في تأويلها؟
فقال سطيح : أحلف بما بين الحرتين من حنش لتهبطنَّ أرضكم الحبش ،
فلتملكنَّ ما بين أبين وجرش (وهي مدن كانت في اليمن)
بمعنى أن الحبش سوف يحتلون اليمن وسوف يتملكون أراضيها.
فقال الملك : وأبيك يا سطيح ، إن هذا لنا لغائظ موجع ، فمتى هو كائن؟ أفي زماني أم بعده؟
قال سطيح : لا ، بل بعده بحين ، أكثر من ستين أو سبعين يمضين من السنين.
فقال الملك : هل يدوم ذلك من ملكهم أم ينقطع؟
قال سطيح : لا ، بل ينقطع لبضع وسبعين من السنين ثم يقتلون ويخرجون هاربين.
قال الملك : ومن يلي ذلك من قتلهم وإخراجهم؟
( أي من الذي سوف يقتلهم ويطردهم )؟
فقال سطيح : يليه إرم بن ذي يزن ( ويقصد بذلك سيف بن ذي يزن ) يخرج عليهم من عدن ، فلا يترك أحداً منهم باليمن ، ويحكم اليمن بعدهم.
قال الملك : أفيدوم ذلك من سلطانه أم ينقطع؟
فقال سطيح : لا ، بل ينقطع.
قال الملك : ومن يقطعه؟
قال سطيح : ( نبي زكي ، يأتيه الوحي من قِبَلِ العليّ ).
فقال الملك : ومن هذا النبي؟
قال سطيح : رجل من ولد غالب بن فهر بن مالك بن النضر ، يكون المُلك في قومه إلى آخر الدهر.
قال الملك : وهل للدهر من آخر؟
فقال سطيح : نعم ، يوم يجمع فيه الأولون والآخرون ، يسعد فيه المحسنون ، ويشقى فيه المسيؤون.
إقرأ أيضا: من هم العرينيون؟
قال الملك : أحقٌ ما تخبرني يا سطيح؟
قال سطيح : نعم والشفق والغسق ، إن ما أنبأتك به لحق.
وكل ما أخبره سطيح للملك حدث كاملا!
فاحتلَّ الأحباش اليمن لمدة تتجاوز الـ 70 عام
ثم جاء ( سيف بن ذي يزن ) وطردهم ، وحكم حتى بُعث النبي صل الله عليه وسلم.
وهو الذي كان يقصده سطيح عندما قال :
( نبي زكي ، يأتيه الوحي من قِبَل العليّ ).
بعض الكتب ذكرت أن سطيح عاش 140 سنة وأكثر ، وأيضاً ذكر في بعض الأقوال : أنه تجاوز ال 150 عام ،
ولكن جميعها ليست مؤكدة!
قال الحافظ إبن حجر العسقلاني في فتح الباري :
“كانت إصابة الكُهّان قبل الإسلام كثيرة جداً ، فلما جاء الإسلام ونزل القرآن ، حُرست السماء من الشياطين ، وأُرسلت الشهب ،
فبقي من إستراقهم ما يخطفه الأعلى فيلقيه إلى الأسفل قبل أن يصيبه الشهاب “
وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى : (إِلَّا مَنْ خَطِفَ ٱلْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُۥ شِهَابٌ ثَاقِبٌ)
وعن أمنا عائشة رضوان الله عليها قالت :
سُئل رسول الله صل الله عليه وسلم عن الكُهّان ؟
فقال : ليسوا في شيء.
قالوا : يا رسول الله ، إنهم يحدثونا أحياناً بالشيء فيكون حقا!
قال رسول الله صل الله عليه وسلم : تلك الكلمة من الحق ، يخطفها الجني فيقذفها في أذن وليه ، فيخلطون معها مائة كذبة.
( متفق عليه )
مصادر :
البداية والنهاية لإبن كثير.
كتاب سيرة إبن هشام المسمى ( بالسيرة النبوية ).
إبن منظور في كتاب ( لسان العرب )