هل وأد عمر بن الخطاب ابنته في الجاهلية؟
الجواب : طبعا لا
لقد شاع على ألسنة الكثير من الخطباءِ والوُعَّاظِ ، أن عمر بن الخطابِ رضيَ الله عنه كانَ قد وأدَ ابنتَه في الجاهلية ،
ولطالما سمعنا هذه القصة على المنابر وفي المحاضرات والمواعظ.
وخلاصَة القصة المنتشرة بين الناس : “أنَّه رضي الله عنه كان جالسا معَ بعضِ أصحابِه ،
إذ ضحكَ قليلًا ، ثمَّ بكى ، فسأله مَن حضر ، فقالَ : كنَّا في الجاهلية نَصنَعُ صنَمًا مِنَ العَجوةِ ، فنَعبدُه ،
ثم نأكلُه ، وهذا سبَبُ ضَحِكي , أما بُكائي ، فلأنَّه كانتۡ لي إبنة ، فأرَدتُّ وأدۡها ، فأخَذتُها معي ،
وحفرت لها حفرة ، فصارَتۡ تنفضُ عن لحيَتي الترابَ ، فدَفنتُها حية.
والعجيبُ أنَّكَ تجدُ المَرءَ مِنَ العَوامِ لا يَفقَهُ مِنَ الإسلامِ شيئًا ,ط، ولا يَحفَظُ مِن شرائِعِه أمرًا إلَّا قصَّة وَأۡدِ عمرَ لِابنتِه.
والحَقيقة المُذهلة التي يتَحمَّلُ مَسؤوليتَها الخطباءُ والوُعَّاظُ أنَّ هَٰذهِ القصَّة باطلة ومَوضوعة وملَفَّقة على أميرِ المُؤمنينَ عمر بنُ الخطابِ رضيَ الله عنه ،
والعَجيبُ أنَّه لا ذِكرَ لها في كتبِ السُّنة والحَديثِ أو كتبِ الآثارِ والتَّاريخِ ،
ولا يُعرَفُ مِنۡ مَصادرِها إلَّا ما يَكذِبُه الحاقِدونَ علی عمرَ رضيَ الله عنه مِن غيرِ دليل ولا حُجَّة.
والأصلُ أنه لا يثبت مثلُ ذلك إلا بإسنادٍ ثابتٍ ، وليسَ لدينا إسناد ثابتٌ بأن عمرَ رضيَ الله عنه فعلَ ذلك فعلا.
وممَّا يؤَكِّدُ زيفها ووضعها :
أنَّه مِنَ المَعلومِ أن أولَ إمرأةٍ تزوَّجَها عمرُ – رضيَ الله عنه – هي (زينبُ بنتُ مَظعونٍ) أختُ (عثمانَ بنُ مظعونٍ)
فوَلدَتۡ له (حفصة) و (عبدَ الله وعبدُ الرَّحمَٰنِ) الأكبر ،
كما جاءَ في البداية والنِّهاية لِابنِ كثيرٍ : قالَ الواقدِيُّ ، وابنُ الكلبيُّ وغيرُهما :
تزوجَ عمرُ في الجاهلية (زينبَ بنتُ مظعونٍ) أختُ (عثمانَ بنُ مَظعونٍ) فولدَتۡ له (عبدُ الله وعبدُ الرَّحمَٰنِ) الأكبر و (حفصة) رضيَ الله عنهم.
وكانَ ميلادُ (حفصة) قبلَ البِعثة بخمسِ سنينَ كما جاءَ في المُستَدرَكِ وغيرِه ، عن عمرَ رضيَ الله عنه قالَ :
إقرأ أيضا: هل الجن مكلفون؟ وهل النبي محمد مرسل إليهم؟
وُلِدَتۡ (حفصة) وقريشٌ تبني البيتَ قبلَ مبعثِ النبيِّ صل الله عليه وسلم بخمسِ سنينَ ، ولهذا فهي أكبرُ بناتِ عمرَ رضيَ الله عنه ،
فلماذا لم يقُم عمرُ بنُ الخطابِ رضي الله عنه بوَأدِ إبنته (حفصة) رضيَ الله عنها ، وهي إبنتُه الكبری والَّتي تَكنى بها (أبا حَفصٍ)؟
ولماذا يَئِدُ مَن هي أصغَرُ منها؟
ولماذا إنقَطَعتۡ أخبار مَن وُئِدَتۡ فلمۡ يَذكُرۡها أحَدٌ مِن أقاربِها ولم نَجِد لها ذِكرًا في أبنائِه؟
فقد سَمُّوا لنا جَميعًا وسُمِّيَ لنا مَن تزوجَهُنَّ عمرُ في الجاهلية والإسلامِ ،
ولم نقِف فيما اطَّلَعۡنا عليه مِنَ المراجعِ على شيءٍ يُوثَقُ به في هذا الأمرِ.
لم يُعرَف في (بني عَدِيِّ) الَّذينَ ينتَسِبُ إليهمُ (الفاروقُ) وأدَ البناتِ ،
بدليلِ أنَّ أختَه (فاطمة) بقيتۡ حية حتى تزوجت مِن (سعيدِ بنُ زيدٍ) ابنُ عمِّ (عمرَ بنُ الخطابِ).