وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضي الأمر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون
وإذا بكلمتين في الآية تهزان كل كياني ، وتحركان كل ساكن في ، “قضي الأمر”.
قضي الأمر فلا مجال لعودة أو فرصة ، قضي الأمر فلا مجال لصلاة أو صوم أَو قراءة قرآن أو سعي لخير أو نصرة دين.
قضي الأمر فلا مجال لاستبراء ذمة أو استسماح حبيب.
قُضي الأمر في مجال العمل ، وابتدأ الأمر في مجال الحساب.
وكأن الكلمتين خرجتا من الآية تصرخان في أذن قلبي دون سواهما وتهزانني بقوة لأستفيق مما أنا فيه من غفلة وقسوة وطول أمل وجمود عين :
“قضي الأمر”.
بينما رجل مسافر في طريق طويل نزل يستريح في بعض مراحله تحت ظل شجرة ،
وقبل أن ينام قليلا صلى ركعتين كعادة الصالحين ، لا يتركون مكانا حتى يشهد لهم بخير.
ثم ما لبث أن رأى في منامه رجلا يغبطه على هاتين الركعتين ، ويقول له : هنيئا لك ما صليت!
فقال له الرجل : من أنت؟
قال أنا ميت من أهل المقبرة التي خلف هذا الوادي.
ثم قال له : لوددت والله أنا ومن معي من الموتى أن نعود إلى الدنيا فنصلي مثل هاتين الركعتين!
أنتم يا أهل الدنيا محظوظون ، تعملون ولا حساب ، ونحن نحاسب ولا نعمل!
وصدق الرجل ، نحن والله محظوظون ، لكننا بطالون متسكعون في أمر الأعمار والحقوق.
نظل نؤخر في الوصايا ونتكاسل عن الطاعات ونوغل في المظالم حتى يفجأنا الملَك يوما في نومة ليس بعدها يقظة قائلا :
“قضي الأمر”
ما أوعظ القرآن لولا قساوة قارئيه!
إقرأ أيضا: إنَّ ٱللَّهَ وَمَلَٰٓئِكَتَهُۥ يُصَلُّونَ عَلَى ٱلنَّبِىِّ
رأيت رجلا يظلم آخر ويغمطه حقه رغم علمه بالأمر ومكابرته فيه ، حتى فوجئت بنبأ وفاة المظلوم فقال لي صديق يعرف الطرفين :
انتقلت القضية إلى أحكم الحاكمين وأعدل العادلين!
والعجيب أن الظالم مات بعده بقليل وهو غارق في مظلمته ظنا منه أن أقدار الله ستمهله ، فجاءه قضاء ربه على غير ما تمنى!
إيهٍ أيتها القلوب القاسية ، التي لا تفيق حتى يفجأها قول الملك : “قضي الأمر”.
يا إخوتاه : أخبار الموتى على وسائل التواصل وأعدادهم مرعبة ، وكلهم شملهم نداء “قضي الأمر”
وقد منحكم الله من العمر ما تستزيدون فيه من المكارم والمغانم ، وما تتجنبون فيه بلية الموت على المظالم ،
فأدركوا الأمر قبل “قضي الأمر”
فحسرة الكلمة يوم سماعها لا توصف.
ووالله لو أنطق الله أهل المقابر لاستعجلونا بالأعمال وترك طويل الآمال ، فاعملوا قبل ألا تقدروا أن تعملوا.