وطن آخر موضة
وطن آخر موضة
قال السائح العربي الذائع الصيت ابن بطوطة:
رغبت في زيارة بلد عربي يُحكي كثيراً عن تقدمه وتطوره وحفاظه على أصالته العربية ،
وقصدته بلا إبطاء في طائرة ركاب تابعة له ، فإذا كل المضيفات أجنبيات من دون لطف وتهذيب يشفعان لقبحهن الوقح.
وأخبرتني واحدة منهن أنه لا توجد أية مضيفة تعرف اللغة العربية ، وكان صوتها يكشف عن إيمانها بأن كل متكلم باللغة العربية متخلف يستحسن الإبتعاد عنه ، فاحمر وجهي.
وقلت لنفسي : سيأتي يوم قريب يصبح فيه العربي مضطراً إلى الإعتذار لكونه يتكلم اللغة العربية.
وما إن وطأت قدماي أرض المطار حتى رأيت أناساً ينتمون إلى كل الجنسيات ، ولم أر واحداً من أهل البلد الأصليين.
وحكي لي صديق مقيم بذلك البلد أن رجل دين دعا المسلمين إلى صلاة استسقاء في أحد المساجد طلباً للمطر ، وتمت الصلاة ،
ولكن الأمطار انهمرت فقط في الهند وباكستان لأن معظم المصلين كانوا من الهنود والباكستانيين،
ولما تجولت في الشوارع ، تأكدت من أن الأمطار هطلت أيضاً في الفليبين،
وأخبرني رجل بريطاني بصوت متذمر أنه يحتاج هنا إلى اللغة الإنكليزية أكثر مما يحتاج إليها في لندن.
وأردت التعرف إلى بعض أدباء البلد ، فقيل لي إن أكبر شاعر مقيم بلاس فيغاس، وأهم صحفي يزور البلد مرة كل سنتين ،
وأفضل باحث يدرس في جامعة غربية ويعاني ويلات الرسوب ،
وأخطر كاتب موجود في اليابان للحصول على توكيل لسيارات تويوتا ، وأحسن روائي هرب من زوجته ، واختبأ في مكان مجهول ، فقلت لنفسي: ليس لي سوي الجرائد.
إقرأ أيضا: قال الدكتور زغلول النجار
واشتريت جريدة من جرائد البلد ،
ففوجئت بها كثيرة الصفحات ، ثقيلة الوزن إلى حد أن عجوزاً مثلي يحتاج إلى استئجار شاب مفتول العضلات لحملها ،
وبادرت إلى الإطلاع عليها بفضول ،
فرأيت فيها القليل من الأخبار والتعليقات التائهة وسط أدغال من الإعلانات عن سلع من مختلف بلدان العالم ،
ولو نشرت الجريدة إعلاناً عن بيع نساء وأطفال بالتقسيط المريح لما استغربت ،
وازداد إصراري على مقابلة واحد من أهل البلد ، فقيل لي إن الرجال يقضون فصل الصيف في بانكوك والنساء في لندن والأطفال في باريس،
فغادرت البلد شديد الإعجاب بأسلوبه الفريد في الحفاظ على أصالته العربية.