قصص منوعة

ويجعل من يشاء عقيما

ويجعل من يشاء عقيما

كنت في السادسة عشر من عمري عندما تزوجت حامد إبن صديق والدي.
كان حامد حاد الطباع لا يبتسم إلا قليلا.

عشت معه سنة ونصف السنة لم أسمع منه كلمة حب.

كانت حياتنا رتيبة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ،

لكني وجدت عزائي في والدته التي أغدقت علي من الحنان ما جعلني أصبر على قساوة إبنها.

أخبرني حامد منذ الشهر الاول من زواجنا بأنه يريد أن يصبح أبا ويفضل أن يكون ولدا لا بنتا ،

أخذنا بكل الاسباب لكننا لم نتوفق.

كل الأطباء الذين عرضني عليهم قالوا لا يوجد عيب واضح عندي ونصحوه بالخضوع لبعض
الفحوصات ،

لكنه كان يرفض ويعتبر ذلك أهانة لرجولته وأدفع أنا فاتورة ذاك الغضب وأسمع منه من الشتائم ما لا تطيقه نفس.

تزوج حامد من أخرى وتركني مع والدته التي أقسمت أن تترك البيت إذا طلقني.

أصبح يتفقدنا من حين لآخر مرة برفقة زوجته ومرة بمفرده دون أن يعيرني أي إهتمام.

أحسست بالإهانة من تصرفاته فقررت أن أعامله بالمثل فأصبحت أتجاهله تماما ،

كما كنت أضع غطاء الرأس في وجوده مما أثار غضبه بشكل لم يتوفق في إخفائه.

كعادتي إستيقظت فجر يوم من أيام الربيع للصلاة وإعداد القهوة لخالتي التي تحب أن تشربها في هذا الوقت المبكر.

كنت في المطبخ حين دخل حامد فجأة وألقى السلام مما جعلني أقف في مكاني فأنا لم أكن أعرف أنه نام عندنا الليل.

إقرأ أيضا: ظلمت زوجي فتوفي بسبب القهر ولكن الله انتقم مني

كان يرتدي ملابس النوم سروالا قطنيا أزرق اللون وقميصا أبيضا ،

أما لحيته فقد كشفت من إهمالها كل معاناته في بيته الثاني من مشاكل.

كان ينظر إلي وكأنه يراني للمرة الأولى وبدأ يقترب شيئا فشيئا حتى كاد يلتصق بي ،

مما جعلني أرجع بعض الخطوات إلى الوراء حتى كدت أصطدم بالطاولة.

إستمر في الإقتراب ونظراته تلتهم وجهي وجسدي لدرجة شعرت معها بالتوتر ،

1 3 4 10 1 3 4 10

حاصرني في ركن يصعب فيه الإفلات ووضع يده على شعري ثم همس في أذني : إشتقت إليك.

أول مرة أسمع همس حامد الدافئ بدل الصراخ الذي كان يدخلني في حالة رعب يتصبب منه جسمي عرقا كشلال.

حاولت التملص لكنه حاصرني بشدة وأمسك بدقني محاولا رفع رأسي إليه ،

لكني قاومته وقلت بصوت مخنوق : ستبرد قهوة خالتي دعني أذهب أرجوك.

في لمح البصر عاد العبوس إلى وجه حامد المألوف ، نعم هذا هو وجهه الحقيقي الذي أعرفه.

عض على شفته السفلى وضرب الحائط بقبضة يده بينما هو يقول لي : فلتذهبي أنتي والقهوة إلى الجحيم ،

يا مدام أنا زوجك ولي عليك حقوق وطاعة الزوج واجبة يا مدام.

قلت في نفسي عن أي حقوق يتحدث هذا الأحمق؟

أبعد ثمانية أشهر من زواجه وهجره لي تذكر أنه زوجي؟

أين أنا من هذا الزواج حين كان يدخل هذا البيت ويده في يد عروسه غير آبه بمشاعري؟

يقبل يدها أمام عيني ويداعبها وكأنني كرسي لا إحساس لديه.

ألست من قال عنها ذات مساء حين طلبت منه خالتي أن يعدل بيننا :

لا حاجة لي بها لولاك لما كانت هنا أصلا؟

واليوم أنا زوجته ، بل لعبته التي تركها على الرف وحين ضاعت منه لعبة تذكرها في لحظة إشتعلت فيها فتيل رغبته من هجر زوجته له.

نعم أنا عجلة الإحتياط التي يمكنه إستعمالها مؤقتا حين لا يجد عنها بديلا.

إقرأ أيضا: الحب الوهمي قصة رائعة

قطع حواري مع نفسي صوت خالتي التي دخلت علينا تسأل عن مصير قهوتها ،

فما إن رأته حتى رمقته بنظرة عتاب جعلته يخفض رأسه ويخرج.

لاحظت خالتي إرتباكي فضمتني إليها وقالت لا تخافي يا صغيرتي إني معك.

وكأنها مسحت كل الخوف بداخلي بكلماتها العذبة النابعة من أعماقها ،

إنها أمي الثانية وليست أم رجل من المفترض أنه زوجي وقد أحببتها كما تحب الفتاة أمها.

في المساء تسلل حامد إلى غرفتي عندما كنت مشغولة بنشر الغسيل وما إن دخلت الغرفة حتى أمسك بي كما يمسك الوحش بفريسته.

أغلق الباب بسرعة ولم يترك لي مجالا للهرب منه.

كان مضطربا ويتصرف بحماقة أثارت تقززي.

قاومته بكل ما أملك من قوة الشيء الذي أثار غضبه فانهال عليا بالضرب والركل ،

حاولت في البداية أن أصرخ لكن صوتي لم يخرج من حنجرتي كحمامة مذبوحة تحاول أن تطلب النجدة.

إستمر في ضربي وركلي وأنا صامتة لم أقو على فعل شيء.

فجأة شعرت بقوة في نفسي تدفعني للتحدي لم أعد أميز موضع الألم في جسدي ، رأيت الدم ينفجر من فمي وأنفي.

إستجمعت شجاعتي ودفعت برأسي أكثر نحوه وقلت له :

أضرب كما تشاء هذا جسدي الضعيف أمام قبضتك لكنك لن تنال منه ما يطفئ عطش رغبتك حتى لو قتلتني.

توقف وكأنه إستعاد وعيه فجأة ، نظر إلي بعيون أقسم أني رأيت فيها الجبن والخوف لأول مرة.

كانت عيوني ما تزال تحدق فيه بكل جرأة وقوة وكأنني من أوسعته ضربا وليس هو ،

وكأنني أنا الوحش الذي إفترس الأرنب الضعيف بلا رحمة ولا شفقة.

حاولت أن أقف على قدماي لكنهما لم يكونا في قوة نظراتي فبقيت مرمية على الأرض كقشة بالية.

خلف الباب كانت خالتي تصرخ وتطلب منه الخروج ، لم يرد عليها مما زاد قلقها وغضبها.

قالت أقسم بالله إن لم تفتح الباب أكن غاضبة عليك إلى يوم الدين.

إقرأ أيضا: يقول صاحب مطعم في إحدى محافظات السودان الشرقية

ما إن أكملت جملتها حتى ركض وفتح لها ، ركضت بدورها إلي وهي تضرب على وجهها وتصيح :

لا حول ولا قوة إلا بالله! قتلتها يا مجرم!قتلتها.

كان أخر ما سمعته قبل أن أغيب عن الوعي.

في حديقة الحي حيث العشب الأخضر وبعض من أشجار الزيزفون علقت عليها مراجح ،

كان الأطفال يندفعون إليها تارة وتارة أخرى يركضون ، يقذفون الكرة وأصوات ضحكاتهم تتعالى.

هناك وقفت طفلة ترتدي فستانا قصير وحذاء أبيضا ،

تمسك بدميتها الشقراء ذات الجدائل الطويلة.

نظرت إلي وابتسمت نادتني : تعالي نلعب ، إبتسمت بدوري واقتربت منها فأمسكت بيدي وقالت : واخيرا عدت!

حسنا ، إبقي هنا معي ولا تتركيني مرة أخرى. قلت لها سأفعل أعدك.

ركضنا حتى تمكن منا التعب ثم إستلقينا على المرج وعلقت أعيننا في السماء نتأملها ،

فجأة سمعت أصواتا واحسست بيد تتلمسني وكأنها تبحث عن شيء ضاع منها في جسدي.

فتحت عيني ونظرت حولي أتفحص مكان وجودي ،

إختفى المرج والورود والطفلة ذات الفستان بلون الزهور وحل محلهم ضوء مصباح خفيف ،

سرير لشخصين بغطاء أبيض أتمدد عليه كجثة تنتظر دفنها ،

خزانة من الخشب في الزاوية ، نافذة صغيرة حجبت عن العالم الخارجي كل القهر الذي عانيته في هذا السجن الإنفرادي.

تسلل إلى مسمعي صوت إمرأة ينتحب ، أعرف هذا الصوت! إنها خالتي!

أدرت رأسي نحوها وحاولت أن أبتسم لكني شعرت بألم في وجهي.

في الصباح قررت أن أكسر حاجز الصمت الذي لزمته منذ دخلت ما يطلق عليه بيت الزوحية ،

لم أشكو مرة لأهلي ما أعانيه من هذا الزوج الأناني حتى عندما تزوج وهجرني لم أخبرهم إلا برغبته في الولد.

ألو بابا ارجوك تعال خذني.

إقرأ أيضا: دخل الزوج على زوجته التي أنجبت البنت

كانت الجملة الوحيدة التي نطقتها قبل أن أجهش بالبكاء مما أصاب والدي بالذعر وما هي إلا ساعة واحدة حتى طرق الباب بصحبة أمي التي ركضت إلى غرفتي وما إن رأتني حتى تسمرت في مكانها من هول ما رأت
كانت الكدمات قد غيرت ملامح وجهي.

دخل والدي بدوره فاتسعت عياناه من الدهشة حول نظره إلى خالتي وقال : ما هذا يا أم حامد؟

ماذا فعلت إبنتي لتعاقب بهذا الضرب المبرح؟

أخبريني ماذا فعلت يا أم حامد وأقسم أن ـزيد فوق ضربها هذا ما يشفي غليلكم؟ فقط أخبريني.

سكتت خالتي لحظة ثم قالت والدموع تتساقط على خدها كغيث يتوق لعناق أرض يفتقدها :

منذ دخلت إبنتك هذا البيت لم نرى منها إلا ما يثلج القلب ويسر الخاطر.

كانت لإبني الزوجة المطيعة الوفية لكنه لم يقدر هذه النعمة.

أُشهد الله أنها أصيلة وخلوقة والعيب ليس فيها وإنما في إبني.

قالتها وانتحبت فأحسست بقلبي ينفطر عليها.

واصلت كلامها وهي تمسك بصدرها وكأنها تخاف أن يسقط قلبها :

خذ إبنتك فنحن لا نستحقها ولا نستحق نسبكم ، تستطيع أن تبلغ الشرطة بأمر هذا الإعتداء.

عم الصمت لحظات قبل أن ينطق أبي قائلا : لا يا أم حامد لن نقحم الشرطة في علاقتنا ،

ونحن الذين نعتبر الأهل قبل حتى هذه المصاهرة ، كان أبو حامد رحمه الله أخا وليس فقط صديقا.

بعد إذنك أبلغي حامد أني أنتظر ورقة طلاقها بالمعروف ودون أية بلبلة.

أومأت خالتي بالموافقة ونظرت إلي نظرة أم تودع إبنتها.

كان الوداع حارقا لقلبي وقلبها ، كانت وستبقى أمي التي لم تلدني ولن أنساها أبدا.

غادرت بيت حامد وانتابني شعور غريب ما بين الحزن والفرح ،

حزن لفراق حماتي وفرح بالتحرر من قيود زواج لم أحمل منه ذكرى جميلة.

إقرأ أيضا: كنت في صدد إيصال أمي لطبيبها الخاص

بعد عدة جلسات بالمحكمة وفشل محاولة الصلح حكم القاضي بالطلاق.

ورقة جعلت مني جارية وأخرى وضعتني في خانة المغضوب عليهن في مجتمعنا الذي يعتبر طلاق المرأة بصمة عار على جبينها.

فمبالكم إذا كانت المطلقة عقيم؟

عانيت الكثير من ثرثرة النساء وفضول الجيران وكأنني المرأة الوحيدة التي لم تلد في هذا العالم.

وأكثر ما أحزنني هو نظرة الخوف من الحسد في عيون الحوامل من صديقاتي وحتى قريباتي.

إعتزلت ذلك العالم المنافق الذي لا يرحم وبدأت في إقتناء الكتب التي وجدت فيها المؤنس والصديق.

قرأت في الأدب والفلسفة ، الشريعة والتاريخ ، حتى عن العقم قرأت.

لم يبخل يوما علي أبي بثمن الكتب ، بل كان يختار لي البعض منها بنفسه ،
لازمه الشعور بالذنب والشفقة إتجاهي.

كيف لا وهو من أرغمني على الزواج من إبن صديقه بحجة أنه أعطى وعدا لن يرجع فيه.

أما أنا فكنت أرى أن ما حدث قضاء وقدر لا يرده حزن ولا ندم.

أمي المسكينة لم تتقبل لحظة أن يشار إلي كعقيم ، كانت تصرخ في وجه من يحدثها بهذا الشأن وتقول : إبنتي ليست عقيم.

الأطباء قالوا لا يوجد لديها عيب واضح ، وهناك فرق بين عقم وتأخر الحمل ، ممكن يكون السبب نفسي وربما من حامد لما لا؟

مضت ثلاث سنوات على طلاقي تغيرت أشياء كثيرة في حياتي والجميل أن الناس إنشغلت عني بقصص أخرى وتركتني وشأني أعيش في سلام داخلي وخارجي.

أكثر الأوقات سعادة بالنسبة لي تلك التي أقضيها في المكتبة حيث الهدوء والقصص المتنوعة المثيرة على الرفوف.

كنت أشعر أنها تلوح لي وتقول : أنا هنا تعالي. مجنونة أنا أصبحت هكذا أقول مع نفسي وأضحك أحيانا.

رن الهاتف سارعت إلى غسل يدي لأرد لكن أمي سبقتني.

أهلا أم نزار كيف حالك؟ ثم تحول صوت أمي إلى وشوشة غير مسموعة.

كل ما سمعته هو كلمة لكن أها لا أدري خير إن شاء الله ، ثم إنتهت المكالمة.

إقرأ أيضا: قدر

عادت أمي إلى المطبخ وقد بدا القلق واضحا عليها.

ماذا هناك يا أمي؟ سألتها فردت علي : أم نزار تقول أن هناك عريس لك من معارفهم.

رميت المنشفة من يدي بعصبية وقلت لها لا أريد أن أتزوج يا أمي لا أريد.

ردت علي : يا بنتي الزواج ستر للبنت فكري في المستقبل ، لا أنا ولا والدك سندوم لك.

قلت لها يا أمي لا يعلم الغيب إلا الله ولا أحد منا خالد فيها ، يا أمي لما نوجع رؤوسنا بقصص نسيناها.

هذا العريس سيهرب لمجرد أن يعرف أني مطلقة وعقيم.

صاحت أمي بوجهي : لست عقيم وأم نزار قالت بأنها أخبرته بقصتك ولا مانع عنده.

أصلا هو أرمل وله ولد وبنت.

نعم نعم فهمت الأن يا أمي.

قلتها والدموع تخنقني ، قاطعتني قائلة : لا يذهب عقلك بعيدا الرجل في بداية الأربعين من العمر ، ليس عجوزا كما تخيلت.

بعد يومين زارتنا أم نزار رفقة الجماعة
في غرفتي جلست أنظر إلى الفساتين التي وضعتها أمي على سريري ،

لأختار منها واحدا أدخل به على الضيوف.

تذكرت هذا الموقف من خمس سنوات مضت عندما زارنا حامد وأمه خالتي الطيبة ،

إنتابني شعور بالتقزز وأنا أتخيل نفسي مرة أخرى أدخل على الضيوف ليعاينوا البضاعة ،

ثم يقررون هل سيشترون أم ينصرفوا عنها لبضاعة أخرى.

تسائلت مع نفسي لما تتعب الفتاة نفسها وتتزين لرجل ما دام الأمر سينتهي بها خادمة في بيته ،

وجارية يشبع بجسدها رغبته ليلا أحيانا حتى دون أن ينظر إليها؟

حسمت الأمر وقررت ألا أعيد الكرة.

عقيم مطلقة ، لكني إنسان يحق له إتخاذ قراراته وأن يحفظ كرامته ، لن أسمح لأحد أن يهينني مرة أخرى.

إقرأ أيضا: مغترب مقيم في السعودية يقول

أخرجت عباءة سوداء فضفاضة من الخزانة لبستها ووضعت حجابا رماديا من القطن ثم جلست أنتظر إذن أمي لي بالدخول على الجماعة.

كاد يغمى عليها عندما رأتني.

ضربت على فخديها بيديها وقالت : أتريدي أن تفضحينا؟

أهكذا ستقابلين الرجل الذي جاء لخطبتك؟

قلت لها بل جاء ليعقد صفقة في سوق النخاسة. نظرت إلي في إستغراب وقالت : سوق نخاسة؟

الله يسامحك يا بنتي.

على العموم هذا ليس وقت النقاش ، غيري ملابسك وادخلي على الجماعة وفيما بعد نتحدث.

لن نجبرك على شيء لا تريدينه.

فقط الله يستر عليك لا تفضحينا أمام أم نزار والجماعة.

شعرت بشيء من الذنب إتجاه والدتي فقمت ولبست فستانا طويلا بسيطا باللون الأزرق البحري،

وضعت ميك أب خفيف وحجابا بيج ثم دخلت على الضيوف.

قطع دخولي عليهم حديثهم وتحولت أنظارهم إلي.

فأحسست بالعرق يتصبب مني خجلا.

قامت أم نزار من مكانها وهي تقول أهلا بعروستنا ، أمسكت بيدي وأجلستني بجانبها.

عندما رفعت رأسي كان سمير أمامي مباشرة ينظر إلي وعلى وجهه إبتسامة. أدركت حينها أن تصرف أم نزار كان مقصودا.

كنت أسترق النظر من حين لآخر إلى سمير وأحيانا تتقابل نظراتنا فيبتسم لي غير آبه بالعيون التي تراقبنا.

جاهدت نفسي كي لا أنظر إليه ، لكن وسامته كانت تغري عيوني. كيف لي أن أتجاهل ذاك اللمعان في عيونه العسلية؟

شعره الناعم وابتسامته التي كانت تضيء سمار بشرته فتسحر الناظر ولا يملك إلا أن يقول سبحان إبداع الخالق فيما خلق.

شتان بين عبوس حامد وابتسامة سمير التي أسرت قلبي من أول نظرة.

إقرأ أيضا: خالتي المبتسمة

دخلت في صراع مع نفسي ، الوسامة ليست كل شيء.

ماذا لو كان كل الرجال على شاكلة حامد؟ ماذا لو أهنت وضربت مرة أخرى؟ الطلاق!

لا يمكنني أن أتحمل لقب مطلقة للمرة الثانية لا ، لن أتزوج لا لن أفعل.

دون أن أدرك وجدت نفسي أفكر في سمير ، نظرته وابتسامته لا تفارقاني ، صوته يرن في أذني كمعزوفة رومانسية.

مر أسبوع على زيارته لنا لم أتذوق ليلة من لياليه طعم النوم ، لا مزاج لي لشيء حتى القراءة.

أما أمي فلا حديث لها إلا عنه.

أخبرتني عشرات المرات عن الحادث الذي فقد فيه زوجته ، عن موت والديه وهو في الخامسة من العمر ،

وكيف إعتنت به أخته الوحيدة عفاف ، عن أبنائه صفاء ذات الثانية عشر ربيعا وأحمد الذي بلغ منذ شهر السادسة من عمره.

إتخذت قراري.

سأتزوج سمير وأتحمل هذه المرة مسؤليتي بنفسي.

لن يتذمر من عقمي ، هو أب ولا أظنه متعطشا للمزيد ، وإلا ما كان إختارني أنا دون غيري.

سأعتني بصفاء وأحمد وكأنهم أبنائي.

قطعت أمي حبل أفكاري عندما دخلت علي فجأة وطلبت أن تتحدث.

كنت أعرف ما تريد لكني تركتها تفتح الموضوع بطريقتها.

قالت : يا بنتي تأخرنا بالرد على الجماعة وأم نزار أخبرتني أن سمير إتصل بها أكثر من مرة.

أمسكت بيدها ووضعتها على صدري وقلت لها : أنا موافقة يا أمي.

لم تتمالك المسكينة نفسها فحضنتني بقوة وهي تردد الله يسعدك يا بنتي ، وكأنها تذكرت شيئا قامت مسرعة باتجاه الهاتف. ألو أم نزار وافقت وافقت.

في أقل من أسبوع تم عقد القران ووجدت نفسي أنتقل إلى بيت سمير.

ما أجمل الحياة حين تمسح السعادة كل آثار الجروح القديمة.

إقرأ أيضا: تجاوزت صديقتي سن الخمسين

كان سمير كريما معي بنبل أخلاقه وعاطفته الصادقة التي جعلتني أهيم به حبا تعجز كل الكلمات عن وصفه.

كان يكدر قليلا صفو سعادتي نفور الأولاد مني ، لكني تحملت واجتهدت لأتقرب منهما.

شيئا فشيئا زالت الحواجز بيننا ، أصبحت صفاء تشاركني بعض أسرارها الصغيرة ولا تمانع في الخروج معي للتسوق.

أما أحمد فقد تعلق بي لدرجة لم أتوقعها.

لا ينام إلا وأنا بجانبه أقرأ له قصة من قصص الأطفال.

وفي الصباح يركض إلى غرفتي فيتسلل إلى الفراش بيني وبين والده ويتظاهر بأنه نائم.

هي العائلة التي تمنيتها دائما.

كم كنت سأخسر هذه اللحظات لو رفضت الزواج من سمير.

في إحدى الأمسيات بينما كنا نجلس كالعادة نتابع برنامجنا المفضل ( من سيربح المليون).

أخبرني أنه أخذ لي موعدا بإحدى عيادات الأمراض النسائية.

صعقت من سماع هذا الخبر.

بدأت دقات قلبي تتسارع إلتفت اليه وقلت له بعصبية :

لا أريد أن أذهب إلى أي مكان ، سمير أنت تعرف وضعي وقبلتني كما أنا؟

لما تريد أن تفتح بابا أقفلته من سنين؟

ضمني إلى صدره وقال لي : حبيبتي إهدئي أرجوك ، كل ما في الأمر أني أريد أن نعرف ما هي الموانع.

قاطعته : الموانع أني عقيم يا سمير.

ضربت بيدي على بطني بقوة وأنا أقول : لا أستطيع أن أحمل لك ولدا هنا. لماذا تريد أن تعذبني حرام عليك.

دخلت في نوبة بكاء لساعة من الزمن عجز فيها عن إخراجي منها فبقي متسمرا في مكانه.

في الصباح خرج إلى عمله دون أن أشعر به
فتحت عيني وتحسست بيدي مكانه فلم أجده.

إقرأ أيضا: في عام 1878 حضر سمعان صيدناوي إلى مصر

المرة الأولى التي يغادر فيها البيت دون أن يتناول الفطور معي ويقبل جبيني.

شعرت بالندم والخجل مما فعلته الليلة الماضية.

حاولت الإتصال به لكن هاتفه كان مقفلا.

إنتظرت عودته بفارغ الصبر وما أن أقبل حتى إرتميت في حضنه كطفلة تهرب من العقاب بالتودد.

قبل جبيني وابتسم لي إبتسامته البريئة وقال لم أعرف أنك عصبية.

خفضت رأسي خجلا وقلت أسفة حبيبي. متى الموعد؟

بعجلة أخذت حماما ساخنا وشربت القهوة بينما أنا ألبس ملابسي.

سمير يستعجلني ويقول الساعة الآن الثامنة والنصف لم يبق لنا إلا نصف ساعة على الموعد ، وأنت تعرفين حركة المرور صباحا.

خرجنا بسرعة في إتجاه العيادة.

بعد وابل من الأسئلة التي طرحتها علي الطبية
أخضعتني للفحص بالسونار ، جهاز لم يسبق لي أن جربته من قبل.

طلبت مني إجراء بعض التحاليل والعودة إليها بعد أسبوع.

عندما عدنا المرة الثانية أخبرتني بوجود إنسداد بقناة الفالوب اليسري وهذا ما منع الحمل كل هذه السنين ،

الحالة تتطلب عملية جراحية ليست صعبة ولا مكلفة.

إنفرجت أسارير وجه سمير وقال لها : أيمكنها أن تحمل بعد العملية؟

قالت باذن الله نعم.

رد : يعني زوجتي ليست عقيم؟

قالت : عقيم؟ من قال بأنها عقيم أصلا؟

نظرت إلي وقالت : يا مدام لست عقيما ، إنما هو مشكل بسيط تعاني منه الكثير من النساء ويحل عادة بالجراحة.

كنت في حالة ذهول ، لم اقو على الرد.

إقرأ أيضا: أنا أرملة ويتيمة بعمر الثلاثين

شعرت برعشة في جسدي وأنا أردد في داخلي : لست عقيما.

وددت لو أصرخ بأعلى صوتي فيسمعني هذا العالم الذي ظلمني.

أريد أن أطرق أبواب الجيران وأضع عيني في عيونهم وأقول : أنا لست عقيما.

لم أعد اسمع حوار سمير مع الطبيبة.
غرقت في بحر التخيلات.

رأيتني أدخل بيت حامد أركله كما ركلني ، اضرب وجهه حتى ينزف وأنا أقول له لست عقيما.

أحسست بيد تمسكني نظرت حولي وجدت سمير يقول لي مبارك يا عمري مبارك.

خرجنا من العيادة وأنا ما زلت في حالة ذهول.

تذكرت أمي وإيمانها القوي بأنني لست عقيما. أمنت ببراءتي وكفرت أنا بها.

ياه كم هي عظيمة الأم .قلت لسمير خذني إلى أمي أرجوك.

عانقتها وبكيت فبكت وبكى أبي وسمير.

أجريت عملية قناة الفالوب وكللت والحمد لله بالنجاح.

كانت سعادة سمير أكبر من سعادتي
مر الشهر الأول ، الثاني والثالث دون حدوث أي حمل ، لكن الأمل كان رفيقنا.

في الشهر التاسع بدأ القلق يتسرب إلى قلوبنا.
عدنا من جديد إلى الطبيبة. إستغربت، فحصتني بالسونار ، الأمور جيدة و الفالوب نظيف!

نظرت إلى سمير وترددت قبل أن تطلب منه الخضوع لبعض التحاليل.

نظر إليها مستغربا وقال : أنا أب لبنت وولد.

قالت : أتفهم لكن من باب قطع الشك فقط ، هز رأسه موافقا.

مباشرة بعد خروجنا من المختبر توجهنا إلى الطبيبة. قرأت النتيجة ، سكتت دقيقة قبل أن ترفع رأسها وتنظر إلى سمير.

سألته إن كان يعاني من مشاكل في الكلى أو الكبد فأجابها بالنفي.

إقرأ أيضا: القصيدة اليتيمة

مرة أخرى سالته هل سبق له أن تعرض لكسر في أعلى الفخد أو الحوض سكت برهة قبل أن يقول لها :

كسر في الحوض أثر حادث سير قديم.

قالت: هل أجريت عملية جراحية؟ رد هو ؛ لا فقط تطلب مني علاجا بالأدوية وعدم بذل أي مجهود والراحة لما يقارب من ستة أشهر.

نظرت إليه بدهشة دون أن أعلق!

أمعقول نفس الحادث الذي ماتت أثره أم أحمد زوجته؟ سؤال طرحته على نفسي.

تنهدت الطبيبة وقالت : للأسف لديك خلل في عنق المثانة أو ما يسمى بالقذف العكسي ،

في هذه الحالة يتدفق المني إلى المثانة بدل خروجه وغالبا بسبب ذلك الكسر.

نزلت كلمات الطبيبة كالصاعقة علي وعلى زوجي الذي تغيرت ملامحه وارتعشت يده التي كان يضعها على المكتب.

حاول أن يخفي عني صدمته فقال بلطف: أرجوك حبيبتي أريد أن أتحدث مع الطبيبة على إنفراد.

إبتلعت ريقي بصعوبة ونهضت من مكاني متوجهة نحو الباب.

أقفلته واتكأت عليه مقاومة وقوعي على الأرض بسبب الدوخة التي شعرت بها.

سمعت بدون قصد صوت سمير وهو يترجى الطبيبة أن تدله على حل لهذه المصيبة.

قال لها : أتوسل إليك ليس من أجلي ولكن من أجل تلك المسكينة التي ظلمت كثيرا بسبب وهم العقم الذي لزمها لسنين طويلة.

قالت الطبيبة : يؤسفني أستاذ سمير أن أقول لك وبصراحة لا يوجد حل. وددت فعلا لو أستطيع أن أفعل شيئا لأجلكما.

يا الله يا سمير! قلتها بصوت جعل كل من في القاعة ينظر إلي.

كان وقع كلماته أشد من كل معاناتي.

خرج من عندها والدموع تتراقص في عيونه العسلية التي عشقت لمعانها. الألم يعتصرني لا أطيق أن أراه هكذا حزينا ،

نسيت مصيبتي وغرقت في حزني لرؤيته يتألم من أجلي.

بدأ الهدوء يعود إليه بعد أسبوع من زيارتنا الأخيرة للطبيبة.

جلس على حافة السرير ونظر إلي نظرة طويلة وأنا ممدة قبل أن يقول لي : أنا أسف لأني خذلتك.

إقرأ أيضا: قصة عجيبة في غض البصر

حاولت أن أتكلم لكنه أشار إلي بان أدعه يكمل حديثه وقال الحمد لله ليس لديك أي مشكل في الإنجاب.

سكت برهة ثم أردف قائلا بصوت مخنوق : لك حرية الإختيار يا بنت الحلال وسأكون سعيدا لسعادتك.

نهضت من مكاني بسرعة ، عانقته بشدة وقلت له : تريد أن تتركني يا سمير؟ لا تفعل أرجوك.

لا حياة لي بدونك.

قال لي إفهميني فأنا لن أقبل أن أكون أنانيا.

قلت له ستكون كذلك إن تخليت عني.

أنا أحبك ولا أريد من هذه الدنيا الا أن أكون معك.

أنت زوجي وابني وكل شيء.

دموعي تتساقط كزخات المطر وقلبي أشعر كأنه سيخترق صدري ويخرج من شدة الخوف.

نعم الخوف من فقد سمير ماذا سيحدث إذا لم أنجب؟ لا شيء فأنا عشت كل هذه السنين بلا أبناء.

أمسكت بيده قبلتها وأشرت إليه بأن يتبعني.

فتحت باب غرفة أحمد كان نائما ووجهه يشع براءة ، نظرت إلى سمير وقلت له هذا إبني.

أغلقت الباب برفق عليه وتوجهت إلى غرفة صفاء كانت تقرأ كتابا.

نظرت إلينا وابتسمت فابتسمت وقلت لها أردنا أن نتفقدك فقط.

هزت رأسها وابتسمت من جديد.

أغلقت الباب وابتعدت عن غرفتها قليلا ثم وقفت وعانقت سمير وقلت له وهذه إبنتي أيضا.

لا أريد من هذه الدنيا غيركم فلا تحرمني منك ومن أولادي.

سقطت دمعته على رأسيز، نظرت إليه ومددت يدي أمسح دموعه.

قال لي كم أنا محظوظ بك.

قلت أنا المحظوظة لأني قابلتك.

إقرأ أيضا: القصاص العادل قصة مؤثرة تعلمنا أنه كما تدين تدان

أنت حبي الأول والأخير.

أولادك أولادي ، أنت لي وأنا لك وحدك.

كانت صفاء تقف خلفي وقد سمعت ما دار بيننا.

مدت يدها حتى لمست ذراعي إلتفت إليها ، إرتمت في حضني ضمنا سمير إليه وقبلنا بحرارة كعائد من رحلة طويلة أضناه الشوق.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?