وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ
فتلك شريعة الله في أرضه ، فنحن نؤمن أن دوام الحال من المحال.
مما نفهمه من قول الحق تعالى : ﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾، أن يومك لك ، ويوم غد لغيرك ،
وأن من الضعف الذي يعتري الإنسان عدم مقدرته على حفظ مكانته التي عليها إلا أن يشاء الله به إمضاء قدره المحتوم ،
فيكون بقاؤه على مكانته التي يحب ليس لسواد عينيه ، وإنما لتحقيق مصالح لغيره يمضيها الله على يديه.
ويقول أحد الحكماء : الدهر يومان ، يوم لك ويوم عليك ؛
فإن كان لك فلا تبطر ، وإن كان عليك فاصبر.
لأن المعنى المراد باليوم الفترة الزمنية التي خولك الله فيها ، ثم تأتي الفترة الزمنية لغيرك ،
وحينها فقط تقرأ بين سطور الأحداث ما الذي أحسنته في فترتك التي خولك الله إياها ، وما التي فيها أسأت ،
فتكون من الله لك فترة إستراحة إجبارية تُراجِع فيها نفسك وتقبِل على الله بتوبة نصوح.
قد يعوضك بها مكانة أرقى وأروح لدينك ولقلبك من سابقتها ، إنها سُنَّة الله في التغيير ، وسنة الله في التربية ،
وسنة الله في تحقيق مصالح العباد ، وإننا ضعفاء لا نَملِك لأنفسنا ضرا ولا نفعا ،
والتداول ذاته علاج ناجع لداء ثبات الأحوال دون تَحلحُلها من الروتين الممل والضجر ،
وانعدام روح الإبداع والتجديد ، إن الحياة أشبه ما تكون بالنهر الجاري أو البحر المتجدد بأمواجه لا يقبل في جوفه الموات ،
ولولا تقلُّب أحوال الحياة بالناس ما تعلم الجاهل ، ولا تواضَع المتكبر ، ولا خنَع المُتغطرِس المغرور للحق الذي للناس عليه!
من المحال دوام الحياة دون الموت ، قد يُرزَق الإنسان المال ويُحرَم الصحة والأولاد مع تمنيه ذلك ،
ويُعطى الفقير الصحة والولد ، ويحرم المال ويذوق شظف العيش ،
المهم أن من أعطي شيئا ذا بال حُرِم مثله أو مثلَيه ، ولا يظلم ربك أحدا ،
حتى محبة الناس ، أو لنقل : تقدير الناس لك ، يزيد أياما ويَنحسِر مثلها أو مثليها ،
وقد تكون صلة المرء بربه هي محور هذا التحول الذي لا يستقر على حال.
إقرأ أيضا: ذكاء الإمام الشافعي
قال بعض الصالحين : إني لأعرف معصيتي لربي من خُلُق دابَّتي ، وهذا النوع من الفَهْم يُفسِّر الأحداث ،
ويضع موازين عجيبة ورائعة في فهم أمواج الحياة المتلاطمة ، ويُضمِّد الجراحات النفسيَّة المُتراكِمة ،
أتصوَّر المثالية حين ينظر كل منا إذا ساء حاله إلى نفسه ، وأقام لها ميزان محاسبة يأخذ لها ما لها ، ويأخذ منها ما عليها ،
يؤكد هذا المعنى الفاروق عمر رضي الله عنه يوم خاطب رعيته ناصحا ،
ولا تزال وصيته تتردد مجلجلة في الأجيال تتغلغل في النفوس المؤمنة :
“حاسبوا أنفسكم قبل أن تُحاسبوا ، وزِنوها قبل أن تُوزَن عليكم يوم العَرض الأكبر”،
إنها النفوس تكون رائعة يوم تُنصِف من نفسها لذوي الحق عليها.
وكما قال الشاعر عن الدنيا
إذا أحسنت يوماً أساءت ضحى غدٍ
فإحسانها سيفٌ على الناسِ جائرُ
هِيَ الدُنيا تَقولُ بِمِلءِ فيها
حَذارِ حَذارِ مِن بَطشي وَفَتكي
وَلا يَغرُركُم حُسنُ اِبتِسامي
فَقَولي مُضحِكٌ وَالفِعلُ مبكي.