يحدث ليلا في شقة الطلبة الجزء الأول
يحدث ليلا في شقة الطلبة الجزء الأول
لم يكن معتاد على الغربة والبعد عن أسرته ، وبالرغم من إنها المرة الأولى التي يفعلها ، إلا أنه تأقلم مع وضعه الجديد بسرعة كبيرة.
فالشقة التي يقطن بها برفقة بعض الطلاب الأخرين الذين أتوا مثله من المحافظات المختلفة طلبا للعلم في جامعة القاهرة ،
كانت مريحة نوعا ما ، إذا ما تغاضى عن الصغائر وغض الطرف عن توافه الأمور.
لم يمض على مكوثه سوى شهر واحد ، حتى أخذ صديقاه يتحدثا عن بعض الأمور المثيرة للقلق التي تحدث بداخل الشقة.
حيث أقسم أحدهم بأغلظ الأيمان أنه أثناء نومه شعر وكأن يد تقبض على قدمه بقوة وتجذبه برفق من على فراشه ،
وحين قام بفتح عينه ، سقطت قدمه على الفراش.
بينما تحدث الأخر إنه عندما كان ساهرا بالصالة يستذكر دروسه وبينما الجميع نيام ،
رأى ظل بطول الحائط يتحرك في الممر الذي يقود للمرحاض واختفى بداخله.
لم يكن يعير تلك الأحاديث اهتماما كبيرا ، ظنا منه أن صديقاه يخيل إليهما.
إلى أن حدث مالم يكن يخطر على بال ، حيث سمعوا صوت بكاء طفل يأتي من المطبخ ،
كان الصوت مرتفعا لدرجة أنه أيقظهم جميعا من نومهم ، أخذوا ينظروا لبعضهم البعض بدون أن يجرؤ أحدهم على التفوه بكلمة.
بعد مرور دقيقة من الصمت ، أيقنوا أن ما يسمعونه ليست هلوسات أو خيالات ، بالفعل هناك بكاء طفل لا شك في هذا.
كان هو أكثرهم شجاعة ، سار بخطوات متراخية وقلب يملئه الخوف ، نحو القابس ، قام بتشغيله ،
فانبعتث الإضاءة في أرجاء الغرفة مبددة جزءا من خوفهم الذي كان للظلام عامل كبير فيه.
كان يظن أن الصوت سوف يصمت بمجرد أن تضيء الغرفة ، لكن حدثه خانه تلك المرة ، فمازال الصوت قويا واضحا كما كان من قبل.
إقرأ أيضا: حبة خردل
لم يملك الشجاعة للذهاب للمطبخ لتبين ما هناك ، أخذ يستعيذ (بالله) ويقرأ بتلجلج كل ما استطاع تذكره مما يحفظ من القرآن ، وكذلك فعل صديقاه.
بدأ الصوت يخفت رويدا رويدا ، حتى تلاشى تماما.
كانت أجسادهم ترتعد بقوة بسبب الأدرينالين الذى انبعث فيها ، بينما كانت جباههم تتصبب عرقا بالرغم مع أنهم في شهر يناير.
قضوا ليلتهم مستيقظين ، حتى سمعوا أذان الفجر يصدح في الأفق ، بدأت الطمأنينة تدب في قلوبهم ،
وما أن أرسلت الشمس إشاعتها الذهبيه في السابعة صباحا ، حتى كانوا قد حزموا أمتعتهم ،
مقررين الفرار بحياتهم من تلك الشقة.
ذهبوا للمؤجر ، للتفاوض معه ليقوم بإرجاع إيجار الشهر الثاني خاصة وأنهم قد أعطوه له بالأمس.
بالطبع لك أن تتوقع أنهم عادوا بخفي حنين ، بعدما امتنع ذلك الأخير عن إعادة النقود ،
وخيرهم ما بين المكوث بالشقة حتى نهاية الشهر أو أن يقوموا باعطائه المفتاح.
تركوه والغضب يملأ نفوسهم ، كما أنهم لا يملكون سوى بضع مئات من الجنيهات ،
سوف تكفيهم بالكاد للحصول على ما يحتاجونه من طعام حتى نهاية الشهر.
بعدما انتهوا من يومهم في الجامعة ، عادوا للمقهى الذي يقع بالقرب من تلك الشقة اللعينة ، الذي تركوا به حقائبهم في الصباح.
جلسوا حتى الثانية عشر ليلا ، وبالرغم من تناولهم للكثير من أقداح القهوة وأكواب الشاي ،
إلا أنها لم تقيهم من برد يناير ، ولم تمنع النعاس من التسلل لعيونهم.
لم يجدوا مفر من العودة للشقة رغما عنهم ، فالبرد أصبح لا يحتمل كما أن حاجتهم للنوم أصبحت تلح عليهم بشدة ،
بالإضافة لخوفهم من دوريات الشرطة التي تمر في المنطقة باستمرار والتي قد تشتبه بهم.
اتفقوا على تبادل ساعات الليل فيما بينهم ، بحيث ينام أحدهما ساعتان على أن يظل الأخرين ساهرين للحراسة ،
بحيث ينعم كل منهم بأربع ساعات نوم قد تكون كفيلة بأن تمده ببعض النشاط في الغد.
اقترح أحدهما أن يقوموا بشراء مذياع من الحجم الصغير لتشغيل القرآن لعله يكون حصنا لهم مما قد يحدث لهم.
إقرأ أيضا: ابن رئيس القبيلة
وقفوا أمام مدخل البناية مترددين فى الصعود ، خاصة وأن الظلام كان يكسوا الدرج.
أمسك بالمذياع قام بتشغيله فانبعث منه صوت القرآن الذي بث بعض الطمأنينة في قلوبهم.
بدأ في الصعود بينما سارا هما خلفه ، وصل لباب الشقة ، أخذ يردد آية الكرسي أكثر من مرة ، شعر ببعض الإطمئنان.
قام بفتح الباب وهو يذكر اسم الله ، خطى للداخل وقدماه لا تقوى على حمله ،
لكنه حاول التماسك ، خاصة أنه هو من كان يقتنعهم قبل قليل بالصعود.
توقع أن يحدث أمرا مفاجئ ، لكن الأمور سارت على ما يرام ، تقدم بضع خطوات للداخل بحذر ،
نظر للخلف وجد أن صديقاه مترددين ، خاطبهما بصوت حاول أن يبدو هادئا بأن يفعل يدخلا.
تقدما بتردد للداخل ، اتفقا على أن يظل باب الشقة مفتوحا حتى يتمكنا من الفرار بسهولة إذا ما وقع خطب ما.
سار ثلاثتهم نحو حجرة النوم بخطوات مترددة ،
ما أن جلس كل منهم على فراشة حتى بدأوا يشعروا ببعض الراحة بفضل القرآن المنبعث من المذياع ،
بالإضافة لأنهم لم يروا ما يثير الذعر.
بالرغم من حاجته الشديدة للنوم إلا أنه فضل أن يقوم بنوبة الحراسة الأولى برفقة واحدا منهم ، على أن يخلد الآخر للنوم.
مرت ليلتهم بهدوء وكأن ما حدث بالأمس لم يكن ، ما أن تسلل ضوء النهار للغرفة حتى شعر ثلاثتهم بالكثير من الراحة.
غط في نوم عميق لم يشعر بنفسه من شدة التعب ، استيقظ شاعرا أنه قد أخذ كفايته من النوم ،
نظر لفراش صديقاه لم يجدهما ، أخذ ينادي عليهما بصوت مرتفع لم يأتيه جوابهما.
بدأ القلق يدب في أوصاله ، أمسك بهاتفه للإتصال بهما ، وجد ورقة موضوعة تحت الهاتف ، قام بفتحها ،
وجد إنهما يخبرانه بأنهما ذهبا لإحضار الطعام وسوف يعودا سريع.
شعر بالراحة ، أمسك بالهاتف وجد أن الساعة تشير للرابعة عصرا ، بينما كان صوت المذياع مازال يصدح في أرجاء الغرفة.
إقرأ أيضا: يحدث ليلا في شقة الطلبة الجزء الثاني
نهض متوجها للمرحاض ، ما أن أغلق الباب خلفه ودلف للداخل حتى بدأ يشعر بالخوف ،
استجمع شجاعته مخاطبا نفسه بأنه رجل ولا داعي لذلك الخوف المبالغ فيه ،
خاصة وأنه في الصباح وعلى حد علمه لا توجد أشباح تظهر في وضح النهار.
وقف أمام الحوض ، و بينما كان يضع الماء على وجهه خيل إليه أن هناك من يقف خلفه ، أجفل ونظر خلفه بسرعة ، لم يرى شيئا.
يدرك جيدا ألعاب العقل وأنه يمكن أن يتخيل أشياء غير موجودة على الإطلاق ، للمرة الثانية وضع الماء على وجهه.
وما أن أعاد النظر فى المرآة حتى رأى وجه إمرأة مبعثرة الشعر على جانبي وجهها وقد غزى الشيب أغلب رأسها.
تراجع للخلف بسرعة ، سقط أرضا من هول ما رأى ، نهض مسرعا باتجاه باب المرحاض ليتمكن من الفرار ،
أدار مقبض الباب لكنه لم يستجب لمحاولاته.
حاول بكل قوته لكن الباب اللعين لم يستجب ، عاد ينظر للمرآة مرة أخرى فوجد أن وجه المرأة مازال كما هو ،
رأها تبتسم وقد ظهرت أسنانها الأمامية المتساقطة وقد اكتسى ما تبقى منها بلون أسود ،
لم يستطع تحمل كل ما رأى فسقط أرضا مغشيا عليه.
يتبع ..