يحكى أن أخوين تركا إرثا لأبنائهم وكان لدى الأخ الأصغر إبنا واحدا وكان لدى الأكبر ستة أبناء ،
وكانوا قد كتبوا في الوصية أن الورث والأملاك ملكا للجميع وشركاء في جميعها.
وعندما كبر الأبناء إستأنفوا العمل على الأراضي والأملاك وكان جميعهم عصبة واحدة وكانوا يعملون سويا مع إبن عمهم الوحيد ،
وعندما يحصلون على المال يقسمونها بالنصف مع إبن عمهم.
لقد كانوا متفاهمين ومتحابين ومتكاتفين لم يدخل بينهما الحقد والغل والحسد.
وكان إبن عمهم ماهر في تجارة المحاصيل الزراعية وخبيرا في جعل المحاصيل عالية الجودة وذو قيمة في الأسواق ،
وكانت محاصيلهم من أفضل وأفخر المنتجات في المدينة وحاصلة على سمعة طيبة من بين كافة المناطق الزراعية المجاورة.
وكان جميع التجار والمسوقين يأتون من جميع المدن والمحافظات لشراء المنتجات منهم بأسعار مناسبة ،
فكبرت تجارتهم وأصبحوا من أغنياء المدينة وكانوا يجمعون الأرباح التي يحصلون عليها من المبيعات في أخر السنة ،
ثم يقومون بتقسيمها بانتصاف.
وذات يوم قالت أم الأبناء الستة كيف تقسمون الأرباح التي تحصلونها في نهاية الموسم السنوي بينكم بالنصف مع إبن عمكما وأنتم ستة ، بينما هو واحد.
فأجاب أحدهم نعم يا أمي هذا ما كان مكتوبا في الوصية التي تركها أبائنا.
فقالت ولكن هذا لا يعني أن يأخذ نصف الأرباح بمفرده وأنتم أكثر منه وأنتم تعملون أكثر مما يعمل في الزراعة والتجارة.
إسمعوني يا أولادي يجب أن تضعوا حدا لهذه المهزلة وتركزون على مستقبلكم وتحافظون على ممتلكات أبيكم بكل جد وذكاء.
رد أحد الأبناء قائلا إن ما تقوله أمي صحيح ، يجب أن نتقاسم المال بالتساوي بيننا جميعا.
إقرأ أيضا: قطة الرماد الجزء الأول
فاتفق الأخوة على إبن عمهما وذهبوا إليه وأخبروه أنهم سوف يقسم المال بينهم بالتساوي ،
فقال لهم لا مشكلة يا إخواني فإن المال ليس أهم من تكاتفنا وبقائنا يدا واحدة فنحن أبناء عم في النهاية.
فتابع الجميع العمل في التجارة بقيادة إبن عمهم وكان هو من يقود كل شيء ، وكان هو من يتعامل مع التجار ،
حيث يجيد أسلوب التعامل بكل أدب وإحترام وكان يتعاطف مع البسطاء من الزبائن بكل حب وإنصاف وكان هذا يزعج أم الأولاد ،
وكانت تغضب من هذا الأمر حيث كانت تسمع الجميع في المدينة يتحدث عن ذلك الشاب بكل خير وإحترام ،
وتصفه بذات القلب الذهبي والذي لا مثيل له.
فقررت الأم أن تضع لهذا الأمر حد ، فطلبت من أبنائها أن يجتمعا في المنزل عندها فقالت لهم :
لماذا أنتم أغبياء كيف تجعلون إبن عمكم يقود كل التجارة ويتعامل بها كما يشاء بمفرده بينما أنتم تصفون خلفه.
فقالوا لها ماذا تقصدين من حديثك يا أمي؟
أجابت بغضب إبن عمكم ينهب ثروات أبيكم وأنتم لا تشعرون ،
لقد سمحتم له بالتصرف في التجارة والأملاك كما يريد ولا أحد فيكم يشغل عقله ويقود العمل بدلا عنه.
أجابوا ما الذي يجب علينا فعله أخبرينا يا أمي.
أجابت الأم يجب أن تقسموا الميراث وكل واحد يأخذ نصيبه.
إستمعوا لكلام أمهم ، وفي اليوم التالي ذهبوا ٳليه وطلبوا منه أن يقسم بينهم الميراث وكلن يأخذ حقه من الإرث.
شعر الشاب بالحزن وحاول أن يقنعهم أن لا يفترقوا ، ولكن أصروا على ذلك.
فتقاسموا الأملاك ولكن قسمت بينهم بظلم حيث أخذوا جميع الأراضي المزروعة وتركوا له قطعة أرض صغيرة يابسة ،
حيث تتطلب وقت طويل حتى تصبح صالحة للزراعة.
إقرأ أيضا: المديون والمجنون
فقالوا له نحن أكثر منك عددا ويجب أن نأخذ القسم الأكبر من الأملاك ،
أجاب وهو يبكي ولكن هذا ظلم وليس عدل كيف تعطونني قطعة أرض صغيرة وغير صالحة وتحتاج لوقت طويل من العمل ،
وتحتاج إلى المعدات والبذور وتحتاج إلى حفر بئر لكي أسقي منه الأرض ولا يوجد لدي المال لفعل كل هذا وأنا بمفردي ،
اتقوا الله يا أولاد عمي.
لم يستمع له أحد وقطعوا علاقتهم به وتابعوا طريقهم بمفردهم ، فسلم الشاب أمره لله وبدأ يعمل بمفرده في الأرض القحلى ،
لقد كان يعمل ليلا ونهارا بمفرده في حرث الأرض.
وبعد ثلاثة أشهر أصبحت جاهزة للزراعة ، فذهب إلى أحد التجار الذي كان يتعامل معه وطلب منه أن يقرضه المال لشراء البذور ،
فلم يرد له طلبه وأعطاه المال.
ثم ذهب لشراء البذور وبدأ في غرسها ، ولكن كان بحاجة إلى الماء.
فذهب إلى أولاد عمه وطلب منهم أن يمدو له عبارة مياه من بئرهم ولكن رفضوا ،
فتوسل ٳليهم وأخبرهم إن لم تسقى البذور قبل ثلاثة أيام سوف تتلف ولن تنبت أبدا ،
وأن المال الذي خسره في شراءها سوف يذهب هباءا.
رفضوا مساعدته فشعر بالغضب وتشاجر معهم وضربوه حتى أغمي عليه.
ثم حملوه إلى وسط مزرعته وألقوه أرضا وعادوا.
وبعد ساعة استفاق الشاب وحمل حاله وعاد إلى منزله ، وفي اليوم التالي ذهب الشاب إلى المزرعة وجلس تحت شجرة ،
وكان ينظر إلى المزرعة بعين حزينة كان يفكر بالمال الذي أخذه من التاجر وكيف سيخبره أنها قد دفنت بين الرمال بدون فائدة.
وبينما كان يفكر بشأن التاجر تساقطت الدموع من عينه ، فقال وهو يحدث نفسه إن لم تسقى هذه الأرض سوف أخسر المال الذي دفعته.
إقرأ أيضا: الأميرة المغرورة
وماذا سأخبر التاجر الذي وثق بي وأعطاني المال دون مقابل.
فقرر أن يبيع منزله الذي يمتلكه لكي يعيد المال للتاجر ، وكان هذا الحل الوحيد لديه.
فعاد إلى منزله وبدأ بتجهيز أغراضه لكي يذهب غدا يبحث عن مشتري لمنزله ،
فتناول الشاب وجبة العشاء وقام يصلي وكان يبكي وهو يدعي الله أن يفرج همه فصلى حتى تصلبت أقدامه وغلبه النعاس ،
وفجأة إستيقظ على صوت البرق والرياح وكانت السماء تهطل بالأمطار الغزيرة ،
وكأن الله سبحانه وتعالى يقول له لم أنساك يا عبدي.
فخرج يركض وهو يبكي إلى المزرعة وهو ېصرخ بأعلى صوته الحمد لله والشكر لله ،
فقام الشاب بوضع حواجز وقناوات مائية حول المغارس فشربت الأرض حتى أصبحت مستنقع من شدة المياه الهائلة التي هطلت من السماء.
فأصبح الشاب يعمل كل يوم في المزرعة حتى بدأت تنبت شيئا فشيئا ، وكان خبيرا في صحة النباتات في بداية النمو ،
فاهتم بها بكل عناية.
وبعد شهور بدأت الزراعة تثمر أجود الثمار قد رزقه الله بها وعوضه عن ما سلب منه ،
وجاء يوم الحصاد وبدأ يقطف ثمار الخضروات وعندما قام بعرضها في السوق التجاري لفتت أنظار الجميع ،
وبدأ التجار في الشراء بأسعار تفوق الخيال حيث كانت الأفضل وبدأت الناس تزدحم حوله.
عندها شاهد أولاد عمه الازدحام قالوا من يكون هذا المزارع وما هي جودة بضاعته التي سرقت أنظار الجميع.
وعندما اقتربوا إليه صدموا حين عرفوا أنه إبن عمهم ،
فكانوا مندهشين من جودة خضرواته وشكل حجمها الكبير ، فبدأ الأولاد بمنافسته وقاموا بتخفيض الأسعار ولكن كان القليل من إشترى منهم.
وبعد عام ربح الشاب الكثير من الأموال وقام بشراء أرض ثانية وزرعها وحفر بئر ماء وبدأ في الإزدهار ،
واسترجع جميع عملاءه القدامى ، وتعرض أولاد عمه لخسارة فادحة وهبطت جودة محاصيلهم أمام جودة محاصيله.
وبعد فترة قليلة عرضوا أراضيهم للبيع بسبب خسارتهم وأصبحوا مديونين ،
فقام الشاب بشراء جميع ممتلكاتهم وبعد أيام عرضوا أيضا المنزل للبيع.
فحزن الشاب عندما عرف أنهم عرضوا المنزل للبيع ، فذهب إليهم في الصباح وجمعهم الستة وقال لهم فوالله أن قلبي لا يطاوعني أن أشاهدكم تعانون وتخسرون تجارتكم ،
لقد سامحتكم يا إخواني وأمد لكم يد العون وقد نسيت الماضي وأطلب منكم اليوم أن نعود كما كنا في السابق يدا واحدة.
فبكى الجميع من كرم وطيبة قلب إبن عمهم وعادوا الستة تحت قيادته ، ولكن هذه المرة لا يملكون شيئا ، لأنه قام بشراءها جميعها.