يحكى أن أعرابي إشتد به الفقر والفاقة والعوز في سنة من السنين وحاول مرارا ليجد لنفسه مخرجا من هذه الأزمة ولكن دون جدوى.
وبينما هو جالس هو وزوجته وأولاده يشتكون من سوء حالهم ، خطرت ببال زوجته فكرة جديدة ،
وأيقنت أن فيها حل لمشكلتهم.
فقالت لزوجها : لما لا تذهب إلى إبن عمك وصهرك في نفس الوقت ،
إنه ميسور الحال ولديه حلال كثير وأموال طائلة ، فلعله يساعدك إن شكوت الحال عليه.
تردد الرجل أمام إلحاح الزوجة ثم وافق.
هيأ نفسه للسفر ولكنه فقير لا يجد حتى الراحلة التي يسافر عليها ، وامتطى قدميه ومشى.
وهكذا استمر في السير ويسأل عن ابن عمه في الصحاري حتى وصل إليه بعد عناء يومين من السير ليلا نهارا.
ولكن الدهشة والمفاجئة التي أصابت إبن عمه بالإحباط رغم تكبد هذه المشقة هو منظر إبن عمه الغني الميسور الحال عندما وجده ،
وهو يقوم بتجبير خروف صغير كان مكسور وهو يجبر يديه ليتعافى من الكسر.
اشمأزت نفس الضيف الرجل يجبر الخروف وكيف أطلبه حلال ومال وهو بهذه الحال لم يهن عليه الخروف الصغير.
أقام وبات ليلته عند إبن عمه ولم يتكلم بالطلب الذي جاء من أجله لاعتقاده بأن صهره بخيل وشحيح.
وفي الصباح عاد إلى أهله بخفي حنين ، سألته زوجته فقال كيف أطلب من شخص يجبر الخروف الصغير ، كيف يعطيني وهو بخيل.
وبعد مضي العام ازدادت الديون وتراكمت على الأعرابي ، فألحت عليه زوجته بأن يذهب لابن عمه ويطلب منه ولا يخجل.
من شدة الحاجة سافر مرة أخرى بعد عام ، ولكن أدهشه ما أدهشه عند وصوله لبيت إبن عمه.
وجد الرجل يضرب بنته بعنف ويسب ويشتم ، فأسرع نحوه وأمسك به وهدأه ، وقال له لما تقسو على هذه المسكينة؟
إقرأ أيضا: الرزق الحلال يساوي وزنه ذهبا
ما الذنب الذي اقترفته ليستوجب هذا الضرب المبرح؟
قال : لقد أضاعت الإبرة ( يقصد إبرة الخياطة لإعتماد الناس عليها في السابق ).
سكت هذا الضيف وقال من أجل إبرة يضربها هذا الضرب والله لن أطلب منه شيئا.
في الصباح تمطى قدميه وغادر وهو يتذمر من حال إبن عمه ، ولما وصل قال لزوجته لا تكلميني عنه بتاتا حتى لو هلكنا من الجوع ،
لن أذهب إليه.
وبعد مضي العام سائت حال صاحبنا وأشارت عليه زوجته بالذهاب لإبن عمه وأن لا يسكت بل يطلب منه ما يريد ، وشجعته على ذلك.
فاستعد للسفر وسافر ، وعندما وصل استقبله إبن عمه ورحب به ودخل إلى حظيرة الغنم ،
وسحب الخروف الكبير الجزل وذبحه تكريما لإبن عمه.
وبعد العشاء وبعد أن غادر الناس جلس هو وابن عمه ، فقال له ابن عمه :
يا ابن العم سنتين تأتيني وتغادر دون أن تتكلم رغم أني أرى في عيونك كلام كثير ، ولكنك لا تفاتحني به.
رد عليه وقال نعم لدي كلام كثير وجئت بالمرة الأولى ووجدتك تجبر الخروف الصغير،
وعزت علي نفسي أن أطلب منك حاجة وأنت على هذا الحال.
ضحك إبن عمه ضحكا كاد أن يغمى عليه من شدة الضحك ،
وقال ما العيب في ذلك ، هل أتركه يتألم ويموت.
أرأيت الخروف الذي أكلناه قبل قليل ، إنه هو.
فقال إبن العم وجئتك في المرة الثانية وأنت تضرب إبنتك من أجل إبرة فكيف أطلب منك وأنت لم تهن عليك إبرة.
إقرأ أيضا: الغيرة القاتلة
فضحك أيضا ضحكا شديدا ، وقال : لم أضربها من أجل الإبرة ولكني أعلمها درسا لتحافظ على الأشياء الصغيرة قبل الكبيرة ،
هذه سوف تتزوج وتذهب إلى بيت زوجها وإذا أضاعت الإبرة فمن السهل أن تضيع ما هو أكبر وأثمن من ذلك.
لذلك عاقبتها حتى تحرص على الأشياء مستقبلا ، وإلا أنا لو أرادت بدل الواحدة مئة أحضرتها لها.
لكن كيف تتعلم إذا توفر كل شيء وفقد أي شيء بدون حساب.
وأنا لولا الحرص لما استطعت أن أجمع كل هذه الأموال والحلال ، فالتبذير يذهب كل شيء.
سكت الضيف وعرف أن إبن عمه ليس بخيلا بل مربي ناجح.
في الصباح عندما أراد السفر قام إبن عمه فعزل له قطيعا من الغنم وقطيعا من الإبل ، وأعطاه ألف درهم.
وقال له اقض دينك واستر حالك وإذا احتجت شيئا عد لي ولا تتردد.
ففرح فرحا شديدا بهذه الغنيمة الكبيرة ، وعاد إلى أهله مسرورا وقضى دينه وتحسنت أحواله ،
وتعلم درسا في الاقتصاد والحفاظ على الأموال وعدم التبذير.