يحكى أن إمرأة فقيرة كانت تتدين كل يوم من صاحب البقالة إلى أخر الشهر وتقبض راتب زوجها المتوفي الذي كان يعمل جندياً سابقا مع الدولة ،
ثم تقوم بتسديد دينها ، فكانت المرأة هكذا تعول أسرتها من راتب زوجها المتوفي.
وذات مرة ذهبت السيدة لاستلام الراتب وعندما عادت إلى منزلها ، لم تجد المال الذي قامت باستلامه منذ قليل ،
وكان قد سقط منها في الطريق.
فعادت تركض مسرعة إلى الطريق الذي عادت منه ، وكانت تركض في الشارع وتبكي بشدة وتبحث في الأرض ،
ولكن لم تجد له أي أثر.
وعندما فقدت الأمل وشعرت باليأس عادت إلى منزلها وهي تصطحب الهموم معها.
فطلبت من بناتها أن يطفئوا الموقد وقالت لهم : لم يكتب الله لنا اليوم أن نأكل شيئا ،
فما فائدة النار ٳذا لا يوجد لدينا ما نطبخه ، ولا يوجد لدينا سوى أن نرضى بقضاء الله ونصبر على قضاءه ونشكره.
وطلبت منهن جميعاً أن لا يعلم أحد بما حدث حتى لا يشفق عليهم الناس.
فقالت أحد بناتها : لماذا لا تذهبي إلى صاحب البقالة وتخبريه بما حصل معنا واطلبي منه أن يعطينا ويسجل ويصبر علينا إلى الشهر القادم.
أجابت الأم : ولكن أخشى أن يرفض يا ابنتي ، ويصرخ في وجهي ويقول لي أنك لم تقومي بتسديد دين الشهر السابق فلن أعطيك شيئا ،
وأخشى أن يقوم بإحراجي أمام الناس ، فوالله لن أذهب وإن متنا جوعا.
لقد كانت السيدة عزيزة نفس وتخاف أن تتأذى كرامتها ، ففضلت أن تظل جائعة خيرا من أن تخسر كرامتها وتذل نفسها أمام أحد.
وفي اليوم التالي مرت السيدة من أمام البقالة وهي تشعر بالحرج ، فرأها صاحب البقالة فنادى عليها وطلب منها أن تقترب إليه ،
إقتربت السيدة وهي تشعر بالخجل وكان يوجد الكثير من الزبائن.
إقرأ أيضا: البداية الخاطئة ستقود لنهاية محتومة الجزء الأول
فقالت له أعلم أنك تريد أن تسأل عن المال الذي عندي ، ولكن لا تقلق سوف أسدد لك المال في نهاية الشهر المقبل ،
ولكن أصبر علي قليلا.
فابتسم وقال لها لا تقلقي لقد قام رجل فاعل خير وسدد جميع الديون الموجودة عندي لوجه الله ،
وطلب مني أن لا أخبر أحدا.
فحاول أحد الموجودين أن يرفع صوته محتجا فطلب منه البقال أن يهدئ قليلا ،
فقامت السيدة تدعو لذلك الرجل فاعل الخير على ما قدمه ، ثم طلبت منه أن يبدأ بفتح صفحه جديدة ويدينها إلى أخر الشهر.
وافق البقال وأخذت المرأة ما تريد وغادرت ، فقال له الرجل الذي كان ينتظر ذهاب السيدة لكي يحتج ،
فقال لم أكن أعلم أنك مخادع وغشاش كيف تأخذ مننا المال وقد قام فاعل خير بتسديد جميع ديوننا.
فقال صاحب البقالة والدموع تتساقط من عيونه فوالله إنني لم أخدع أحدا ، ولكن هذه السيدة عزيزة نفس ،
إنها لم تأتي إلى البقالة منذ ثلاثة أيام وكلنا نعرف أنها لا تعمل ولا يوجد من يعولها وأسرتها ،
فأرسلت زوجتي بالأمس إلى منزلها لكي تتفقد أحوالها وتعرف ما سبب عدم مجيئها إلى البقالة وتأخذ المواد الأساسية للحياة.
فأخبرتني زوجتي أنها فقدت راتب زوجها في الطريق ولم تستطع أن تقابلني خوفاً أن أؤذي كرامتها وأطالبها بالدين الذي عليها ،
فتأثرت كثيراً من حالها وعزة نفسها الطاهرة ، فقررت أن أساعدها دون أن تعلم أو تشعر بأنني أشفق عليها.
فاخترعت هذه الخدعة البريئة لكي تقتنع وتعود إلى البقالة كما كانت في السابق.
فوالله يا أخواني لو لم أفعل هذا سيظلون دون طعام ويتضورون جوعاً ولن يطلبوا من أحد قطعة خبز ،
فأرجو منكم أن تسامحونني بسبب هذه الكذبة.
فدمعت أعينهم وشعروا بالخجل من حالهم وقالوا له ،
جزاك الله خيرا وأحسن الله ٳليك على ما فعلته معها ومع أسرتها بارك الله فيك.