يحكى أن رجلا ميسورا عاش في مكة أم القرى قبل نحو مائة عام ، وكان له خادم (عَبْدٌ) يخدمه في جميع شؤونه الخاصة ،
فإذا أذّن المؤذّنُ لِصلاةِ الفجر أيقظهُ خادمهُ وقدم له إبريق الوضوء وأشعل الفانوس ليُنيرَ دربه ، بل ومشى أمامه نحو المسجد!
فلما رأى ذلك الرجل الميسور تفاني مَمْلوكِه وخادمه في خدمته قال له :
إسمع يا سعيد لقد كتبت في وصِيّتي الموجهةِ لوَرَثَتِي أن تُصبحَ حراً بعدَ وفاتي مكافأةً لكَ على إخلاصكَ في خدمتي لعشرات السنين ،
فسكتَ الخادمُ ولم يُعَلِّق على ما سمعه من سيِّده شيئا!
وفي فجرِ اليوم التالي قام كعادته وأنار الفانوس ومشى به خلف الرجل الميسور ،
فتعجب مِن فعلته وقال له : ما لك يا سعيد؟ لماذا لا تتقدم بالفانوس حتى تنير لي الطريق نحو المسجد؟
فأجابه خادمه بقوله : أنت يا سيدي الذي جعلت نورك وراءك عندما وعدتّني بالحريّة بعدَ مماتك ولم تقم بذلك في حياتك!
فلماذا تجعلني أتمنى موتك حتّى أنال حرّيتي بدل أن أتمنى لكَ طولَ العُمر في طاعةِ الله؟!
ألا تعلمُ أنّي سأظلّ أخدُمك وفيّاً حتى ولو نلت على يديكَ حرِّيتي؟
فَهم الرجلُ الدّرس جيداً! وقال له : أنتَ يا سعيد حر من هذه اللحظة.
فردّ عليه قائلا : وأنا خادمُكَ البَرُّ مِن هذهِ اللحظة.
العبرة :
يجب أن نقرر تنفيذ أي عمل خيري من خاصة أموالنا في حياتنا بدل أن نوصي بها بعد وفاتنا ،
حتى نجعل نورنا أمامنا بدلَ أن نجعله خلفنا!
فمن يضمن منا أن ينفذ ورثتنا وصيتنا كما بعد موتنا كما نحب؟
ولماذا لا يكون عملنا الطيب خلال حياتنا؟
خُذوا مصبايحكك معكم ولا تتركوه خلفكم!
فلنصنع سعادتنا بأنفسنا ، ولا نجعلها مرهونة بيد الآخرين.