يروى أن سعيد بن جبير رفض ظلم الحجاج
يروى أن سعيد بن جبير رفض ظلم الحجاج فخرج عليه مع عبد الرحمن بن الأشعث ولم يكن الحجاج مبدلا لشرع الله ،
ولا مواليًا لليهود والنصارى ، ولا مفرطا في أراضي المسلمين ، ولا تابعا للصليبين في البيت الأبيض ،
بل كان تابعا لخليفة في خلافة إسلامية تجاهد في سبيل الله ، انتصرت ، وحققت فتوحات كثيرة ،
وهزمت أعداء الله ونشرت العلم وأقامت دولة للإسلام.
لكن الحجاج كان ظالما قاتلا ، أسرف في ظلم الأبرياء وسفك الدماء المعصومة بغير حق ،
وكان هذا كافيا العالم التابعي الجليل سعيد بن جبير ليخرج على الحجاج ويرفض ظلمه ، فهذه مهمة العالم الرباني ،
أن يقوم لله بكلمة الحق أمام الطغاة والظالمين.
وعندما انهزم عبد الرحمن بن الأشعث ومن معه أمام الحجاج لم يتراجع سعيد أمام قوة عسكر ودبابات الحجاج ،
ولم يسارع بتقديم الولاء للحجاج تحقيقا للمصلحة ودرئا للمفسدة ،
وَلم يظهر في مؤتمر يُطالب الناس بتأييد الحجاج ويصرخ في الناس أن لا يتحرّجوا من تأييد السفاح ،
ولم يقل للناس أن الحجاج له نهضة وفتوحات!
لم يفعل ، لأن رسالته هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وليس الأمر بالنفاق والنهي عن الثبات.
اختبأ سعيد بن جبير 10 سنوات في مكة يتعبد إلى الله ويُعلّم أصحابه سرا.
حتى تم القبض عليه وقيّدوه وذهبوا به للحجاج فعلم أنه ميّت ،
فاستعد لذلك بالعبادة وسهر الليل في القيام والدعاء حتى وقف بين يدي الحجاج ودار هذا الحوار الذي سجّله التاريخ :
قال له الحجاج : أنت شقي بن كسير؟! بعكس اسمهفرد سعيد : أمي أعلم بإسمي حين أسمتني.
فقال الحجاج غاضباً : ” شقيت وشقيَت أمك!
فقال سعيد : إنما يشقى من كان من أهل النار ، فهل اطلعت على الغيب؟ فرد الحجاج : لأُبدلَنك بِدُنياك ناراً تلظى !
إقرأ أيضا: فلا اقتحم العقبة وما أدراك ما العقبة
فقال سعيد : والله لو أعلم أن هذا بيدك لاتخذتك إلهاً يُعبد من دون الله.
قال الحجاج : إذا ما رأيك فيّ؟ قال سعيد : ظالم تلقى الله بدماء المسلمين.
فقال الحجاج : اختر لنفسك قتلة يا سعيد !فقال سعيد : بل اختر لنفسك أنت.
فما قتلتني بقتلة إلا قاتلك الله بها.
فرد الحجاج : لأقتلنك قتلة ما قتلتها أحداً قبلك ، ولن أقتلها لأحد بعدك .
فقال سعيد : إذاً تُفسِد عليّ دُنياي ، وأُفسِدُ عليك آخرتك.
ولم يعد يحتمل الحجاج ثباته فنادى بالحرس : وقال جروه واقتلوه ، فضحك سعيد ومضى مع قاتله.
فناداه الحجاج مغتاظاً : ما الذي يضحكك؟يقول سعيد : أضحك من جرأتك على الله ، وحلم الله عليك!
فاشتد غيظ الحجاج وغضبه كثيراً ونادى بالحراس : اذبحوه!
فقال سعيد : وجِّهوني إلى القبلة ، ثم وضعوا السيف على رقبته ،
فقال : ” وجهت وجهي للذي فطر السموات والأرض حنيفاً مسلماً وما أنا من المشركين .
”فَقال الحجاج : غيّروا وجهه عن القبلة!
فقال سعيد : ولله المشرق والمغرب فأينما تُولّوا فثمّ وجه الله.
فَقال الحجاج : كُبّوه على وجهه ! فقال سعيد : منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى.
فنادى الحجاج : اذبحوه! ما أسرع لسانك بالقرآن يا سعيد بن جبير!
فقال سعيد : ” أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ” .
فقال خذها مني يا حجاج حتى ألقاك بها يوم القيامة!
ثم دعا قائلاً : ” اللهم لا تسلطه على أحد بعدي ” .وقُتل سعيد ، والعجيب أنه بعد موته أصبح الحجاج يصرخ كل ليلة :
مالي ولسعيد بن جبير ، كلما أردت النوم أخذ برجلي! وبعد خمسة عشر يوماً فقط مات الحجاج ولم يُسلط على أحد من بعد سعيد.