يقول الشيخ محمد الغزالي دخلت مكتبتي فتاة
يقول الشيخ محمد الغزالي دخلت مكتبتي فتاة لم يعجبني زيها أول ما رأيتها ، غير أني لمحت في عينيها حزنا وحيرة يستدعيان الرفق بها ،
وجلست تبثني شكواها وهمومها متوقعة عندي الخير!
واستمعت طويلا ، وعرفت أنها فتاة عربية تلقت تعليمها في فرنسا لا تكاد تعرف عن الإسلام شيئا ،
فشرعت أشرح حقائق ، وأرد شبهات ، وأجيب عن أسئلة ،
وأفند أكاذيب المبشرين والمستشرقين حتى بلغت مرادي أو كدت.
ولم يفتني في أثناء الحديث أن أصف الحضارة الحديثة بأنها تعرض المرأة لحما يغري العيون الجائعة ،
وأنها لا تعرف ما في جو الأسرة من عفاف وجمال وسكينة.
واستأذنت الفتاة طالبة أن آذن لها بالعودة ، فأذنت.
ودخل بعدها شاب عليه سمات التدين يقول بشدة : ما جاء بهذه الخبيثة إلى هنا؟!
فأجبت : الطبيب يستقبل المرضى لا الأصحاء ، ذلك عمله!
قال : طبعا نصحتها بالحجاب؟! قلت: الأمر أكبر من ذلك ، هناك المهاد الذي لا بد منه ،
هناك الإيمان بالله واليوم الآخر ، والسمع والطاعة لما نزل به الوحي في الكتاب والسنة ،
والأركان التي لا يوجد الإسلام إلا بها في مجالات العبادات والأخلاق.
فقاطعني قائلا : ذلك كله لا يمنع أمرها بالحجاب.
قلت في هدوء : ما يسرني أن تجيء في ملابس راهبة ، وفؤادها خال من الله الواحد ، وحياتها لا تعرف الركوع والسجود ،
إنني علمتها الأسس التي تجعلها من تلقاء نفسها تؤثر الإحتشام على التبرج.
فحاول مقاطعتي مرة أخرى ، فقلت له بصرامة : أنا لا أحسن جر الإسلام من ذيله كما تفعلون ،
إنني أشد القواعد وأبدأ البناء بعدئذ ، وأبلغ ما أريد بالحكمة.
وجاءتني الفتاة بعد أسبوعين في ملابس أفضل ، كانت تغطي رأسها بخمار خفيف ، واستأنفتْ أسئلتها ،
واستأنفتُ شروحي ، ثم قلت لها : لماذا لا تذهبين إلى أقرب مسجد من بيتكم؟
إقرأ أيضا: لا تتصيدوا الأخطاء للناس ولا تمحوا ألف جميل بنزوة عابرة
فأجابت الفتاة بأنها تكره رجال الدين ، وما تحب سماعهم!
قلت: لماذا؟
قالت: قساة القلوب ، غلاظ الأكباد! إنهم يعاملوننا بصلف وإحتقار!
ولا أدري لماذا تذكرت هند إمرأة أبي سفيان رضي الله عنه ، وقد نالت من الإسلام ما نالت ،
فكانت لا تعرف رسول الله ، فلما عرفته واقتربت منه وآمنت به ، قالت له هذه الكلمات :
“يا رسول الله ، والله ما كان على ظهر الأرض أهل خباء أحب أن يذلوا من أهل خبائك!
وما أصبح اليوم على ظهر الأرض أهل خباء أحب إلي أن يعزوا من أهل خبائك”.
إن نبع المودة الدافق من قلب الرسول الكريم بدل القلوب من حال إلى حال.
فهل يتعلم الدعاة ذلك من نبيهم فيؤلفوا بدلا من أن يفرقوا ، ويبشروا بدلا من أن ينفروا؟!