يقول ذهب الزملاء للسهر وبقيت في الفندق مع زميلي الأستاذ محمد قلت له : ما رأيك في التجول في شوارع جنيف؟
قال : أنا رجل عجوز ومريض وأخشى من التعب.
عندما تحس بالتعب نأخذ تاكسي ، ونعود إلى الفندق.
وبعد تجوال ساعة ، والإستمتاع ببحيرة جنيف ، وليلها الناعش ، أحس صاحبي بالتعب.
أخذنا تاكسي إلى الفندق ، وأعطينا السائق عنوان الفندق.
وفيما كنا نتحدث ، إلتفت إلينا السائق ، وكان وجهه يلمع من شدة سواده ، وتكلم بكلمتين لم نفهمهما.
أقول لكم : السلام عليكم.
رددنا السلام ، ثم سألناه عن حاله ، فقال :
أنا مثلكم ، مسلم من السنغال.
هل تتكلمون الفرنسية أو الإنجليزية؟
قال له الأستاذ محمد :
نعم تكلم بالفرنسية.
وانطلق لسانه يتحدث بالفرنسية في طلاقة ، والأستاذ محمد يترجم لي ما يسمع ، ويجيبه على تساؤلاته.
وكان مما قال : جيء بي إلى هنا من بلدي في السنغال ، وأنا صبي صغير ، وكنت أعرف شيئا من اللغة العربية ، لأنني مسلم ،
ولا تجوز الصلاة إلا باللغة العربية ، وإلا فكيف تقرأ الفاتحة ؟ كيف نقرأ القرآن؟
سأله الأستاذ محمد : هل تحفظ شيئا من القرآن؟
أجاب : أحفظ بعض السور ، مثل سورة الكهف ، وسورة يوسف ، وسورة الدخان ،
وياسين والرحمن ، وسورة الواقعة ، وجزء تبارك ، وجزء عم ، وسورة السجدة ، وسورة الإنسان.
ما شاء الله.
قال : وأحفظ أربعين حديثا نبويا.
كان يتحدث وهو ملتفت نحونا ، وكأنه أحس أني قلقان من التفاته.
إقرأ أيضا: حصلت على الدكتوراة من مصر
أوقف السيارة ثم قال : ما رأيكما في الذهاب معي إلى البيت؟
هل تعيش وحدك؟
بل أنا متزوج من إمراة سويسرية ، بيضاء ، ولي منها أربعة أبناء : محمد ، وأبو بكر ، وعمر ، وعلي.
لماذا لم تسمّ عثمان؟
لأن إسمي عثمان
وامرأتك مسلمة؟
طبعاً مسلمة لم أتزوجها إلا بعد أن أسلمت وهي تصلي ، وتحفظ بعض السور ،
وتعلم أبناءنا الصلاة ، والقرآن ، واللغة العربية ، وهي محجبة ، وتتقيد بتعاليم الإسلام.
والآن تعمل سائقا ؟
أعمل كل عمل يدر علي رزقا حلالا.
ثم برقت عيناه ، ورقصت السعادة في محياه ، وهو يقول :
مهنة السواقة جرت علي كل الخير الذي أنا فيه.
كيف؟
ذات مرة صعدت فتاة وأمها معي في السيارة ، أوصلتهما إلى بيتهما وكانت آخر توصيلة وعدت إلى بيتي.
عندما نزلت من السيارة ، لمحت شيئا يلمع في المقعد الخلفي كانت محفظة نسائية ،
فتحتها لأعرف صاحبتها وإذا فيها أسورة ذهبية ، وعقد من اللؤلؤ ، وبعض النقود ولم يكن فيها ما يدل على صاحبتها.
فماذا فعلت؟
عدت بسيارتي إلى المكان الذي نزلتا فيه ، ونمت أمام باب العمارة ،
وفي الساعة السابعة والنصف صباحا خرجت الأم وابنتها من باب العمارة ، وهما ملهوفتان ، فأسرعت إليهما ، وأعطيتهما المحفظة ،
إقرأ أيضا: أجمل قصة حب وأصعب لحظه فراق!
واعتذرت عن تأخري في إعادتها ، لأنني لم أجد في المحفظة شيئا يدل على صاحبتها ، وعمارتكم فيها عدة شقق ،
ولم أرد إزعاج أصحابها في ذاك الوقت المتأخر من الليل ، وقد يسببون لي أذى ،
فأمثالي من السود متهمون دائما بالقتل والسرقة ،
فنمت في سيارتي أمام العمارة في إنتظار خروجكما.
قلت لهما ذلك ، والأم تفتش في المحفظة مخافة أن أكون سرقت شيئا منها ،
ولما وجدت كل شيء فيها ، هجمت علي وقبلتني ، وأنا مندهش من تصرفها.
شكرتني كثيرا ، ثم دعتني لشرب شيء عندهما ، فاعتذرت.
أخذت الأم إسمي وهاتفي وتركتهما وانطلقت أسعى لكسب رزقي الحلال.
الله أكبر شيء عظيم صنعته.
سأله الأستاذ محمد عن زواجه ، وكيف تم؟
أخذ نفسا عميقا ، والسعادة ملء قسمات وجهه.
قال : بعد أيام إتصلت بي تلك الفتاة ، ودعتني باسمها واسم أمها إلى العشاء عندهما ، ورجتني أن ألبي الدعوة ، فلبيت الدعوة.
قال : ونحن على العشاء ، قالت الأم : سألنا عنك، وعرفنا أن سيرتك سليمة، ولست من أصحاب السوابق ،
ولم ترتكب أي مخالفة تخل بالقانون أو بالآداب العامة ، وعرفنا أنك أعزب لم تتزوج ، وأنك عفيف ، وليس لك صلات بالنساء الساقطات.
كانت الأم تتحدث وأنا مستغرب من حديثها
فما لي ولهذا الكلام؟
ماذا تريدان مني حتى تسألا عني؟
ويبدو أنهما أدركتا ما يجول في نفسي.
إقرأ أيضا: أحيانا يبتلينا الله بحرماننا من أعز ما نملكه
قالت الأم : زوجي مات وتركني أنا وبنتي هذه وعلمت بنتي ، وسوف تتخرج طبيبة هذا العام ،
وأريد أن أزوجها من شاب عفيف شريف أمين ، ونحن سألنا عنك ، وأرغب أن أزوجك بنيتي هذه.
أفقت من ذهولي، وقلت لها : ماذا تقولين ؟
قالت : تشاورنا أنا وجانيت ، وأشارت إلى بنتها وقلبنا الأمر على وجوهه ،
وقررنا أن نعرض عليك الزواج منها.
عندنا بيت، ولا تحتاج إلى شيء ، أنت تعمل بسيارتك ، وأنا أصرف على بنتي حتى تنهي دراستها.
سألته : وماذا كان ردك؟
أجاب : قلت لهما : أنا مسلم ، وأريد أن تكون أم أولادي مسلمة.
قالت الأم : هناك مسلمون متزوجون من مسيحيات ، دينكم يسمح بذلك.
قلت : هذا صحيح، ولكني أريد أن تكون أم أولادي مسلمة.
نظرت الأم إلى ابنتها جانيت وفهمت منها شيئا
ثم قالت :
لا بأس نحن متدينتان ولنا جيران مسلمون ، وهم ناس طيبون جدا ، ومستقيمون ،
وعلمنا منهم أن دينكم يعترف بالسيد المسيح نبيا ، ويعترف بأمه السيدة مريم ،
ويعترف بالدين المسيحي ، وأن دينكم يأمركم بالإستقامة.
وكانوا يسمعوننا القرآن من مسجل عندهم كان اسم القارئ عبد الباسط ، وقد أحببناه وعندنا شريط نسمعه دائماً أنا وبنتي.
سوف نفكر في الأمر.
وتواعدنا أن نلتقي في يوم آخر.
وفي اليوم المحدد جئت حسب الموعد ، فقرأت الفرح في عيونهما ، وأخبروني أنهما مستعدتان للإسلام.
إقرأ أيضا: ذهب رجل إلى قرية من القرى التركية النائية
قلت : بقي شرط أخير.
ما هو؟
أنا الذي ينفق على فاطمة حتى تنهي دراستها.
سألت جانيت في شيء من خوف : من هي فاطمة؟
قلت : أنتِ منذ الآن فاطمة.
نهضت فاطمة ، وهجمت علي تريد أن تفعل شيئا ،
أستغفر الله لا أدري ماذا كانت تريد فأوقفتها وأبعدتها عني.
فقالت والدموع ملء عينيها الخضراوين : أنا منذ الآن مسلمة ، وإسمي فاطمة ، وأنت زوجي وأخي ، وأبي ، وكل شيء في حياتي.
كان عثمان يتحدث في إنفعال ، وعندما رفع رأسه كانت دموعه تغسل خديه ، ثم قال :
عندما تزوجتها كانت في السنة الأخيرة من كلية الطب ، وتابعت دراستها وهي الآن طبيبة.
هذه هي حكاية زواجي ، أفلا تذهبان معي لتباركا لي هذا الزواج الذي عمره إثنا عشر عام.
فذهبنا معه ورأينا العجب العجاب من إسلام الطبيبة فاطمة وأمها!
ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم.