يقول طالب جامعي كان والدي يعمل حارس أمن في الجامعة التي كنت أدرس بها ، ولكن كانت فترة دوامه فترة مسائية ،
حيث يقوم طوال المساء في حراسة حرم الجامعة حتى الصباح ، ويأتي موظف أخر ويستلم المناوبة.
لقد كانت حالتنا المادية شبه لا بأس ، حيث ينفق والدي كل راتبه الشهري ما بين ٳجار البيت وديون ومصاريف جامعتي ،
وغيرها من الأبواب اللتي تتفتح في كل نهاية الشهر.
وفي أحد الأيام حصل تغير في فترات زمن المداومة بين حراس الأمن ،
وأصبح والدي يداوم في فترة الصباح ، لقد كان يذهب إلى الدوام قبلي بنصف ساعة ، لم يكن ينتظرني لكي أرافقه في الطريق.
وكان عندما يراني في ساحة الجامعة ، يختفي من أمامي وكأنه يتهرب مني ،
فشعرت بالحيرة عن ما يفعله والدي ولماذا يتهرب عندما يراني أقبل ٳليه.
وكنت أسأله في المنزل عن السبب الذي يجعله يتهرب مني في الساحة ولكن لم يجيب على سؤالي ،
فتجاهلت الأمر وتابعت يومي بشكل طبيعي.
وفي اليوم التالي ، بحثت عنه في ساحة الجامعة وعثرت عليه يجلس تحت شجرة فاقتربت منه وجلست بجانبه ،
ولكن شعر بالإنزعاج وطلب مني الرحيل ، فقلت له : لماذا أنت مرتبك وتشعر بالقلق ولماذا تطلب مني الرحيل؟
فقال لي : إذهب قبل أن يراك أحد زملاءك ويعلم أنني والدك ، حتى لا تتعرض للتنمر والسخرية ،
لأن والدك يعمل حارس أمن في الجامعة.
انسحبت من جانبه بهدوء وذهبت الى مكان خالي ، وبدأت بالبكاء.
لقد كان والدي يتهرب من قربي بسبب وظيفته ويخشى علي من سخرية الطلاب.
لقد كان يرى الأباء يأتون بأبناءهم إلى الجامعة وهم يقودون أفخم السيارات ،
ويرتدون أجمل الملابس الغالية ، وهذا ما جعله يشعر بالإحراج.
إقرأ أيضا: ٳمرأة تروي قصتها مع فقر زوجها
تابعت تعليمي بجدية واجتهاد حتى جاء موعد تخرجي من الجامعة واجتمع الكثير من الناس وأولياء الطلاب وبدأت الإحتفالات ،
وكان جميع الطلاب يجلسون بالقرب من أباءهم وأمهاتهم ، وكنت أنا أجلس بمفردي ، ولم تكن أمي موجودة في الدنيا.
نظرت إلى نهاية المسرح وجدت والدي يقف بين المدرجات يقوم بواجبه ،
ذهبت أتوسل ٳليه لكي يبقى بالقرب مني مثل بقية الطلاب ، ولكن رفض ورأيت الدموع تتساقط من عيونه ،
فعدت إلى مقعدي وأنا أحسس دموعي.
وبعد قليل جلس بجانبي أحد المعلمين ، وقال لي إن هذا اليوم هو أسعد يوم بالنسبة لجميع المتخرجين ،
ولكن لماذا لا أرى السعادة في وجهك ، لماذا لا تبتسم مثل الأخرين.
فلم أستطيع أن أمسك مشاعري فقلت له : هل ترى ذلك الحارس الذي يقف في نهاية المدرجات.
فقال : نعم.
فقلت له : ٳنه والدي ، وهو يشعر بالإحراج بسبب وظيفته ، فطلبت منه أن يجلس بجانبي ويشجعني في أجمل لحظة في عمري ،
ولكن رفض ، فكيف تريد مني أن أبتسم.
وهناك يقف والدي مستديراً لي ظهره ويبكي متألماً ، ثم انفجرت بالبكاء.
فقال لي المعلم : لا داعي للحزن والبكاء اليوم ، امسح دموعك وابتسم ؟
ذهب المعلم وبعد لحظات ، ألقى مدير الجامعة خطاب عن النجاح وما شابه ،
وفي نهاية الخطاب طلب من والدي أن يتقدم إلى المسرح.
تفاجأت لقد طلب المدير شخصياً من والدي أن يتقدم إلى المسرح ،
تقدم والدي وجلس بجانبي فقمت بمعانقته وأنا أبكي فرحاً وشعرت بالسعادة ،
ثم صعدنا جميعنا إلى المنصة واستلمنا شهادة تخرجنا.
وبعد قليل تم تكريم والدي أمام جميع الحضور وشعرت بالفخر كون والدي يعمل في عمل بسيط.
إقرأ أيضا: كان الولد يركض في ساحة المدرسة لمحه المدير
وبعد أيام التقيت بالمعلم الذي تحدث معي في تلك اللحظة الذي وجدني فيها أبكي ،
فقلت له : ماذا فعلت حتى جعلت المدير شخصياً يقوم بتكريم والدي أمام جميع الحضور ،
حيث كان يوجد الكثير من الأباء المشهورين والأغنياء.
فقال لي : لم أفعل شيء ، اقتربت من المدير فشرحت له عن قصة والدك ،
وقلت له هل ترى ذلك الحارس هناك.
فقال : نعم ما الأمر.
فقلت له : هل ترى ذلك الشاب الذي يجلس وحده ويبدو حزينا ، أجاب المدير ، نعم أرى لماذا تخبرني بذلك.
فقلت له : أن ذلك الحارس والد ذلك الطالب وهو يشعر بالخجل والإحراج كونه يعمل في الجامعه وموظفا بسيطا ،
ويرفض أن يقف بجانب إبنه في هذا اليوم الجميل.
فقرر المدير أن يكرمه أمام الحضور لأنه يستحق ذلك.
يجب على مجتمعنا أن يشعر بالفخر لمثل هذا الأب المكافح من أجل إبنه وليس والدك فقط.
بل الفخر والاحترام والتقدير لكل الذين يعملون للحصول على لقمة العيش ونهضة وتعلم أولادهم.