يولد الإنسان ضعيفاً باكيا ، يولد بجلد رقيق ، ويدين صغيرتين ، وجمجمة هشّة يغطيها القليل من الشعر الناعم والجلد.
يقضي الشهور الأولى من حياته ثابتاً في مكانه ، مُستلقياً على ظهره ، ومُكتفياً بتحريك أطرافه ، ومصّ أصابعه ،
واللعب في وجهه وصدر أمه وخدشهما في بعض الأماكن ، تنقضي بضعة أشهر ،
ويتعلّم هذا الكائن الصغير الحبو ، فتصبح خزانة الأحذية عندئذ هدفه الأول والأخير ،
وغايته الأسمى ، في كلّ مرّة يحبو فيها يمضي إليها ، ويجلس بجانبها ، ثم يبدأ بحمل الأحذية الثقيلة بالنسبة لحجم جسده ويستعين في ذلك بقبضتيه الصغيرتين ،
يلوّح بالأحذية في الهواء بحركة سريعة و دون إنتظام أحياناً ، و أحياناً يجرّها ببطء وثبات ،
في المساحة الصغيرة أمامه على الأرض ليرسم بها خطوطاً لا يراها و لا يفهمها أحد سواه.
في بعض الأيام يكتفي ذلك الكائن الغامض الجميل بحمل الحذاء وضمه لصدره ، وحتى معانقته وتقبيله بطريقة مضحكة.
عندما تقوى عظامه ويساعده على الوقوف والمشي يشرع في محاولاته المحكوم عليها بالفشل بارتداء الأحذية ، فيسقط بعد خطوات قليلة ،
ويجرّب ذلك مرّات عديدة ، ويسقط مرّات كثيرة ، ولكنه لا يتعب ، و لا يمل ،
كما لو أن أمر الأحذية بالنسبة له أمتع ما في الدنيا ، تمرّ الأيام ، ويكبر الكائن الصغير ليغدو بالغاً عاقلاً ،
فتصبح تلك الصور والتجارب في ممرّات بيته وعلى عتباته مجرّد ذكريات قديمة ، ومرحلة من الماضي لا يذكرها أصلاً ،
ولا يفهم سبب إنجذابه للأحذية وتعلّقه بها حينها ، غير أن هناك من يحافظ على هذه العادة وتتحول عنده إلى غريزة ،
فيدافع عنها بشراسة ويسعى لإشباعها حتى بعد كبره ، فتجده يمضي مسرعاًَ باتجاه الأحذية التي تكون على شكل بشر ، ويقع في حبّها مباشرةً !