يُعبَّرُ عن الأماكن المأهولة بالبشر في القرآن بكلمات شتى
ولكني سأحدثك عن كلمتي قرية ومدينة.
( سورة – يس – آية ١٣)
وَٱضْرِبْ لَهُم مَّثَلًا أَصْحَٰبَ “ٱلْقَرْيَةِ”
إِذْ جَآءَهَا ٱلْمُرْسَلُونَ
(سورة – يس – آية ٢٠)
وَجَآءَ مِنْ أَقْصَا “ٱلْمَدِينَةِ”
رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يَٰقَوْمِ ٱتَّبِعُوا۟ ٱلْمُرْسَلِينَ
تسمى الأماكن قرى إلى أن يظهر مؤمنا فتسمى مدينة.
ومع الهلاك وفي السياق السلبي تسمى قرى كذلك.
ففي الآية الأولي رقم ١٣ كان المكان مأهولًا ببشر غير مؤمنين ،
أرسل الله لهم رسولين وعزز برسول ثالث ، فقال الله “قرية”
وبعد ستة آيات (في الآية رقم ٢٠) جاء رجل من أقصى المكان الذي أرسل فيه الرسل فقال الله “المدينة”
ولتعلم أن في اللغة المعنى واحدا للكلمتين ، إحداهما تدل على الأخرى وقيل أن عدد ساكني من في المدينة يكون أكثر.
ولكني أريدك أن تنظر إليهما نظرة أعمق من خلال الآيات التالية :
فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ قَالَ لَوْ شِئْتَ لَاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا
هنا سيدنا موسى ومُعلمه طلبوا من أهل “القرية” طعاما فرفضوا إطعامهم فقال الله “قرية”
وبعدها عندما ذكر أن الجدار كان لغلامين يتيمين قال الله “مدينة” أَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ.
فلو كان أهل القرية مؤمنين فلا تظن أنهم لن يطعموا جائعًا مر بدارهم.
ولكن مع الغلامين أستخدمت “مدينة” وكأنها إشارة على صلاح الغلامين أو أنهم فيما بعد قد يؤمنوا.
تعال لمواضع أخرى :
وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِداً ﴾(الكهف:59 – قرى لم تؤمن.
إقرأ أيضا: حكم الصلاة على النبي جماعة جهرا بعد الصلاة
فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ ﴾(الشعراء:53)
لما فرعون مع كلمة مدائن؟
لأن مصر بأكملها كان يسكن فيها بني إسرائيل فهم مؤمنين بغض النظر عن وجود فرعون فقال : مدائن.
وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً. (النحل ١١٢)
هنا قيل قرية لأنها كانت ولم تعد والسياق هنا سلبي.
وكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ هِيَ أَشَدُّ قُوَّةً مِّن قَرْيَتِكَ.. كذلك هنا.
كان الحديث عن هلاك القرى. (محمد:13)
وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ.
وهنا عن قرى أهلكت بالفعل ولو كانت آمنت لما أهلكت وما قيل قرى. (هود:117)
وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ ،
كذلك هنا (الطلاق:8)
وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً ﴾(سبأ:18)
قد تظن لوهلة أنها من المفترض أن تكون مدينة.
ولكن الحديث كان عن قرية سبأ التي كفرت بأنعم الله فأرسل عليهم سيل العرم.
وحتى يثرب كانت قرية إلى أن جاءها سيدنا محمد عليه أفضل الصلاة والسلام فسميت مدينة النبي.
وكأن كلمة قرية بائسة فلا تشعر فيها بالحياة إلا حينما تؤمن فتفعم بالحياة ، فتسمى مدينة.
وكأن القرى عند الله لا قيمة لها إلا حين يظهر بها إيمان أو عمل أو عبد صالح فتدب فيها الحياة فتصبح مدينة.
وللتنويه ليس هذا تفسيرًا وإنما تدبرًا.