أحبني طفل الجزء الثاني
أحبني طفل الجزء الثاني
لم تمضِ بضعة أيام عشناها بسلام ، حتى حدثَتْ مشكلة عندما رآني برفقة عائلتي في الشارع ، حيث كنا ذاهبون إلى زيارة أقربائنا.
ألقى التحية علينا ، فضحِكَت عيناي لرؤيته ، وأيقنتُ أنَّ يومي كله سيكون جميلاً لأني رأيته صدفة ،
لكن لم تمضِ ساعة حتى اتصل بي وقال بغضب : لماذا لم تخبريني أنكِ ستخرجين من المنزل؟!
اتسعت حدقتا عينيَّ من الدهشة : ولماذا سأخبرك؟!
هل أنتِ حمقاء ؟! أنا خطيبكِ ومستقبلاً سأصبح زوجك ، وهذا سيوجب عليكِ إخباري بكل تحركاتك.
حينها صرختُ قائلة : احترم نفسك ، فأنا أيضاً لديَّ لسان وأستطيع الرد عليك ، لكن تربيتي لا تسمح لي بذلك ،
ثم إنك لا تزال خطيبي ، ولا سلطة لكَ علي ، حيث أني أستطيع فسخ الخطوبة وإنهاء صفتكَ كخطيبي بلحظة.
فضحك ساخراً ثم قال : فعلاً كما فعلتي سابقاً.
عليكَ أن تراجع نفسك فطريقة كلامك معي لا تعجبني البتَّة ، نحن لا نزال مخطوبان وبدأْتَ بالإهانات ، ماذا ستفعل بعد الزواج؟!
سأحطم رأسك.
حينها قطعت الاتصال ، وشرار الغضب يتطاير من عينيّ ، لدرجة أني لم أستطع أن أخفي ذلك ،
فلاحظ كل أفراد عائلتي وأقربائنا ، لكني لم أخبرهم سوى أنه غضب لأني لم أخبره أني سأخرج من المنزل ، فقالوا لي جميعا :
لا سلطة للرجل على خطيبته ، ولا يملك حق أن يتحكم بها ، طالما أنها بمنزل أباها ،
وليست زوجته ، لكن خطيبكِ من الواضح أنه يحب السيطرة ويريد أن يهيئكِ لطاعته من الآن طاعةً عمياء.
كان كلامهم كرأيي تماماً ، مما جعلني أوقن أني لستُ مخطئة بحديثي معه ،
وكم خشيتُ أن أخبر والداي أنه قد شتمني خشية من أن يجبروني على فسخ الخطوبة ،
كوني جرَّبت فراقه مرة ، ولن أحتمل إعادتها ، فقررت أنْ أحل المشكلة بنفسي كما قالت لي أمي ،
بأن أتحاور معه كأنه طفل بالخامسة من عمره.
إقرأ أيضا: الطفل والإصبع الذهبي الجزء الأول
مضت أيام كثيرة لم يجب على اتصالاتي بها ، ولم يرد على رسائلي ، التي شرحتُ له بها ،
أني سأخبره بكل مكان أريد الذهاب إليه بعد الزواج ، لكن ليس من الآن ،
وأنَّ خروجي من المنزل دون إخباره لا يعني أني أتعمَّد التقليل من قيمته أو إهانته ،
لكنه لم يرد ولا بحرف واحد ، فارتعش قلبي خوفاً من أنه يفكر بفسخ الخطوبة ، مما جعلني أرسل له رسالة ودموعي تغمر عينيَّ :
أعتذر على طريقة كلامي معك ، وأعدكَ أن لا أخرج من المنزل من الآن فصاعداً دون أن أخبرك ، لكن أرجوك أجب على اتصالاتي.
لم تمضِ خمس دقائق حتى اتصل بي وقال : لو فعلتي هذا من البداية ، لما أحرقتي دمي كل هذه الأيام ،
خاصة برسائلكِ ، فهذه عقليَّتي وبما أنكِ تحبيني يجب أن تتقبلي رأيي.
أصبحتُ محطَّ انتقاد وسط عائلتي ، عندما لم أستطع أن أخرج من المنزل دون أن أخبره ،
خشية من أن ألمحه صدفة وينفجر غاضباً ثم يفسخ الخطوبة.
إلى أنْ أتى بأمرٍ ثالث ، أشعَلَ مشكلة بيننا .
مَضَت ثلاثة أشهر ، كلما تحدثنا بها بأيّ موضوع واختلَفنا كان يغضب لاختلافي معه وينعتني تارة بحمقاء ،
وتارة ببلهاء وتارة ذا مستوى عالٍ من الغباء ، وكلما حاولت أن أشرح له بأني سأصبح زوجته وعليه احترامي ، كان يقول لي :
ولماذا تنزعجين من الحقيقة ، أنا أقول رأيي بكل صراحة.
تقول رأيكَ بشتمي؟!
أتحدث معكِ بهدوء فلا تقتنعي ، فتجعليني أغضب وأشتمكِ ، وكل ذلك لتغيري من تفكيركِ وتصبحي واعية لمصلحتكِ ومصلحة أولادي ،
فأنتِ ستصبحين أماً لهم ، وستقع عليكِ مهمة تربيتهم.
إقرأ أيضا: يحكى أنه كان هناك أمير يحكم إمارة
غضبْتُ منه كثيراً فتشاجَرت معه تارة ، وتارة حاولت أن أشرح له بهدوء ، لكن ما كان بعقله غير قابل للتغيير ،
بأني خطيبته ويجب عليَّ أن أتقبله بأفكاره ، وهو يريد تغييري على الدوام ، كي أصبح نسخة عنه.
اعتقدت أنَّ هدوئي وصبري عليه سيكونان السبب بتغييره ، وجعله يتقبل اختلافاتنا بالتفكير ،
فقد أحببته بكل اختلافاته عني حتى بعيوبه ، وكنت أؤمن بأنّ الحب سيفعل المعجزات.
إلى أن قال لي : من عادات وتقاليد عائلتنا ، أن تسير نساءنا بالشوارع كالأشباح ، لا يستطيع أن يتعرف أحد عليهنّ ،
ولأننا سنتزوج قريباً ، فعليكِ ارتداء الخمار ، ووضع نظارة شمسية بالليل والنهار كي لا يرى عينيكِ مخلوق ،
وكل ذلك لتعتادي على الأمر من الآن.
ضحكت من صدمتي ثم قلت له : لكن من عادات وتقاليد عائلتنا أن تسير نساءنا بالشوارع ووجوههنّ مكشوفة ،
ثم إني أرتدي عباءة واسعة ولا يستطيع أحد أن يرى مني سوى وجهي ويداي.
فانتفض قائلا : أنتِ قلتيها بنفسكِ ، لا يستطيع أحد أن يرى منكِ سوى وجهكِ ويداكِ ،
ووجهكِ هذا لا يجب أن يراه أحد سواي وسوى الرجال المحرمين عنكِ ، وليس وجهكِ فقط ،
حتى عيناكِ ويداكِ ، ولأنك ستصبحين من عائلتي فعليكِ الإلتزام بتقاليدها.
لماذا لم تقم بخطبة فتاة تضع خماراً من الأساس ، لماذا اخترتني أنا وتريد أن تغير بي كل شيء؟!
لأني أحمق أعجبتُ بجمال وجهكِ ، ومع الوقت أحببتكِ.
والله لا أحد أحمق إلا أنا ، لأني قبلتُ الخطوبة منك.
استمرينا بالخلاف أياماً ، ومع محاولات أمه إقناعي بكلام ابنها ، إلا أني لم أقبل ، فقد قلت لها :
أنا اعتدت على خروجي ووجهي مكشوف منذ أن لبست الحجاب ، ومن الصعب عليّ التنفس تحت الخمار.
لكنها أصرت علي أنه يجب عليّ الخروج مثلما قال ابنها ، وأني حتى لو استصعبتُ ذلك في بداية الأمر ، فمع الوقت سأعتاد على ذلك.
إقرأ أيضا: أحبني طفل الجزء الثالث
حاولت أن أتمسك برأيي قدر الإمكان ، لعله يقبل أن أبقى كما أنا بعد الزواج ، إلى أن قال لي :
شرطي الوحيد لاستمرار علاقتنا ، هو أن تضعي الخمار ، وإلا فأنا الذي سأقوم بفسخ الخطوبة ،
فعارٌ على رجال عائلتنا أن يسيروا بجانب امرأة وجهها مكشوف.
كان كلامه كالصفعة على وجهي لاستسهاله فراقي على الرغم من حبه لي ، فارتعش قلبي خوفاً من أن أعيش ألم فراقه مرة أخرى ،
مما جعلني أقبل الخمار الذي اشتراه لي كهدية وكل ذلك فقط لأرضيه ، فأرسل لي أبياتاً من الشعر تعبيراً عن فرحه بذلك.
لم أعد أعرف نفسي ، للتغيير الجذري الذي فرضه عليّ ولتحملي طريقة كلامه معي وقت غضبه ،
وبرغم ذلك لم يتغير ، فلم أستطع أن أرضخ أكثر من ذلك وأتحمل أسلوبه ،
إلى أن حدثَت مشكلة بيننا كانت السبب بجعلي أفسح الخطوبة.
يتبع ..