أراد صياد أن يتقرب من الملك فقال في نفسه : كيف أتقرب من الملك وما هي أحسن وسيلة إلى هذه القربى ،
ولم يكن أمامه إلا الهدية يجعلها سبباً لكلامه وبابا للدخول عليه.
وأنسب هدية يقدمها صياد إلى الملك هي أحسن سمكة تقع في شبكته.
وظل ينتظر الفرصة في الصيد الثمين طوال بضعة أشهر حتى وقع على سمكة عظيمة أملاً في أن يمنحه الملك مساعدة ،
أو عوضاً يجدد به الشباك أو يشتري به قاربا يملكه بدلاً من القارب الذي يستأجره.
فلما قدم الصياد السمكة للملك أنف أن يقبل وهو غني هدية من صياد فقير دون أن يرد الهدية بمثلها ،
أو يقدم له عرضاً أحسن منها مناسباً لغنى الملك.
فأعطاه مائة جنية ذهبا ، فلما رأت الملكة الصياد خارجاً من القصر عجبت لشيء حدث من وراء ظهرها دون أن تدس أنفها فيه.
فاستدعته وسألته عما حدث بينه وبين الملك ، فأخبرها بما سألت ، ولكنها لم ترضى عما حدث ، وعاتبت زوجها قائلة :
يعطيك صياد في المملكة سمكة فتعطيه بدالها مائة جنية ، وقيمة السمكة تساوي بضعة جنيهات تقل عن أصابع اليد الواحدة ،
فماذا تفعل لو جاءك صياد من كل بلد وفقير من كل مهنة؟
فقال الملك : ألم تعلمي أن كلمة الملوك لا ترد ، وهديتهم لا تعود وقد ذهب الصياد واختفى بين الناس.
قالت الملكة : أدلك على مخرج من المأزق تستدرك به ما فرط منك من التبذير دون أن يكون عليك غضاضة في سحب الكلمة ورد الهدية.
أطلق منادياً في المدينة وليقل للناس إن الملك يحب أن يزيد في إكرام الصياد الذي قابله بالأمس ،
فإذا حضر فأخبره أنك تريد أن تعطيه مائة جنية أخرى بشرط أن يجيبك على سؤالك ،
فإذا رضي بالشرط قل له : إن الملك يحب أن يتمتع بتكاثر السمك في أحواضه الزجاجية ،
فهل السمكة التي أعطيتها له ذكر أم أنثى ، فإن قال ذكراً قل له ائتني بالأنثى ، وإن قال أنثى قل له ائتني بالذكر.
إقرأ أيضا: قصة حذاء الطنبوري
فلما وجه الملك السؤال إلى الصياد بعد حضوره فطن للمكيدة وقطع على الملك خط الرجعة ،
وقال السمكة خنثى لا هي ذكر ولا هي أنثى.
فعجب الملك من جوابه السديد وفطنته الثاقبة وبديهته الحاضرة ،
ولما لم يكن هناك أحد في مجلس الملك يستطيع أن يتبين حقيقة السمكة أعطاه الملك مائة جنية أخرى حسماً للخلاف.
فقالت الملكة لزوجها أردت أن أخلصك من الورطة وأدلك على مسلك يحفظ عليك مال المملكة وكرامة الملك ،
ولكن الصياد ماهر في الخديعة ضحك عليك مرة أخرى.
ولما انصرف الصياد بحمله الثقيل ومبلغه الكبير وثروته الطائلة التي هبطت عليه من السماء فجأة ،
وكان منذ لحظات لا يملك منها شيئاً اعترته الدهشة في حفظها فضاع منه أثناء الإنصراف جنية فأصر على البحث عنه بدقة وامعان ،
وعز عليه أن يضيع منه وإن كان هذا الضياع سبباً في أن يلتقط الجنية واحد من الخدم.
ووجدت الملكة الفرصة سانحة مرة أخرى لإثبات بعد نظرها وحسن تدبيرها وسداد رأيها فقالت للملك :
أتترك الصياد دون أن تلومه على بخله.
فاستدعاه الملك ووبخه قائلاً : هبطت عليك من السماء ثروة طائلة ما كنت تحلم بها ،
ولكنك تأبى أن تترك جنياً وحداً ضاع منك التقطه بعض السيارة من الحراس أو الخدم ،
ولكن الملك فوجئ بالصياد يرد عليه يقول له : الملك صادق في أني أطلت البحث عن الجنيه الضائع ،
ولكن الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى والغرض مختلف تماماً عما قلت أطال الله بقاء الملك وأسعد الرعية في عهده.
في أحد وجهي الجنية الذهبي حروف اللغة العربية التي يكتب بها القرآن وأسماء الله الحسنى ،
وفي الوجه الآخر صورة الملك فإن تركت الجنيه ملقى على الارض وطئت الأقدام الحروف التي يكتب بها القرآن ،
وأسماء الله الحسنى ،
فإذا إنقلب الجنيه علي الوجه الثاني تعرضت صورة الملك لنفس المهانة ،
فليس السبب في تعبي البخل الشديد ولكن السبب حرصي على حفظ كرامة الحروف والصورة.
فقال الملك : زادك الله حرصاً أيها الصياد على إكرام الحروف والصورة ،
إن كنت صادقاً وليس لنا دليل إلا حسن الظن وإن كنت كاذباً ، لقد غلبتني وغلبت زوجتي التي حرضتني عليك من وراء الستار مرتين ،
فهنيئا لك العطية المضاعفة وإن كيد النساء غلبه كيد الرجال.