أميرة الورد وأميرها الجزء الثالث
إستأنست هي بكلامه فقالت : لقد شوقتني لتجربة الحب ، والغوص في خباياه واكتشاف أسراره.
رد هو : سأساعدكِ في ذلك ، ثقي بي.
ثم استئنفا المسير حتى وصل سامر أخيراً إلى بلاده وسار في شوارع المملكة ، فتجمهر الناس حوله بالمئات.
لم تكن عودة أميرهم هي من جمعتهم ، بل إنهم كانوا مأخوذين بتلك الفتاة التي تجلس إلى جواره على الفرس.
فقد أذهلهم تماماً جمالها الصارخ إلى درجة أنهم تركوا أعمالهم وصاروا يبحلقون فيها رجالاً ونساءاً بلا استثناء ،
حتى شعرت وردة بالتضايق فوضعت وجهها على صدر الفتى وقالت : سامر ، أنا خائفة.
قال هو : أنا معكِ يا وردة فلا تخافي.
ثم ضرب فرسه فشق طريقه من بينهم حتى استطاع أن يخترقهم ويصل القصر.
وهناك هرع لاستقباله الملك والملكة فعانقهما سامر وقبّل أياديهما ثم أشار إلى وردة وقال :
أبي ، أمي ، أود أن أعرفكما على وردة ، زوجتي المستقبلية.
ما إن وقع بصر الأبوين على وردة حتى بُهرا هما أيضاً بجمالها.
جلست الملكة على الأرض وشرعت بالبكاء لأنها لم تتحمل روعة الموقف ،
بينما تقدم الملك وأخذ يدور حول وردة وهو يطالعها بفضول ثم سألها إن كانت أميرة؟
فأجابته بأنها أميرة الورد ، فقال مستغربا :
وماذا يعني ذلك؟ هل هنالك مملكة بهذا الإسم؟
فتقدم سامر من أبيه وأخبره بأنه سيشرح له كل شيء حالما يرتاحان من السفر ،
ثم استأذن والديه ليأخذ وردة في جولةٍ في أروقة القصر ، بيتها الجديد.
فذهبت وردة معه وهي مستمتعة ومفتونة بعالم البشر الذي تختبره لأول مرة ،
أعجبها ذكاء البشر وتنظيمهم وإبداعاتهم العمرانية.
تلا ذلك ، أن قام سامر بتقديمها لطاقم الخدم والوصيفات ، وطلب منهن معاملة أميرتهن الجديدة ببالغ الحفاوة ،
وأن لا يتسببن بما يؤدي إلى جرح شعورها على الإطلاق.
إقرأ أيضا: حكاية قصيرة بعنوان الحب وأهواله
فوعدنه الوصيفات بأن يحملنها على كفوف الراحة وأن يحفظنها في باطن عيونهن.
وفي الأيام التالية ، كان سامر يصطحب حبيبته الجديدة في جولات مستمرة على ظهر الخيول إلى ربوع البلاد ليريها معالم المملكة ،
كان يحاول بذلك أن يزيد من افتتانها بعالم البشر حتى تنسى عالمها الذي جائت منه وتوافق على البقاء معه.
لكن وردة كلما مرت بتجمعات البشر حتى يعاودها ذلك الإحساس بالضيق والخوف من ردة فعلهم تجاهها ،
خصوصاً عندما يطالعونها بتلك النظرات المسعورة التي تُشعرها وكأنهم يريدون التهامها وهي حية.
فكانت تلتفت إلى سامر وتطلب منه أن يعيدها إلى القصر ، فيمتثل لرغبتها ويعود بها.
وعندما طلب منها في احدى المرات الخروج من أجواء القصر ، رفضت هي ذلك وأخبرته أنها تشعر بأمان أكثر داخل القصر ،
فاحترم الأمير رغبتها كذلك ولم يشأ أن يزعجها.
وعندما علم الملك من سامر قصة وردة وكيفية لقاءه بها ، إستغرب غاية الإستغراب ولم يصدق في البداية ،
لكنه بعد ملاحظته لطبيعة وردة وشدة جمالها ، حتى أدرك استحالة أن تنتمي تلك الفتاة لهذا العالم.
وبما أن إبنه كان عاقد العزم على الزواج بها ، فقد أخذ يعتقد أن سامراً ربما يكون مسحوراً بها ، وأنها لن تناسبه.
وحدث أن اقتنع الملك برأي حكماء المملكة الذين أخبروه بأن طبيعة الروح القادمة من عالم الورود لن تتوافق مع عالمنا عالم البشر ،
لذا فقد أمر الملك جميع أفراد حاشية البلاط من خدمٍ ووصيفات بأن لا يعاملوا وردة معاملة خاصة ، بل يتعاملوا معها كأي فتاةٍ من العامة ،
ومن دون أدنى امتيازاتٍ أو تشريف.
وبسبب قيامه بواجباته كأمير ، فإن سامر كان مضطراً إلى ترك وردة لوحدها في القصر أحياناً كثيرة.
وهكذا وجدت وردة أن عالمها داخل القصر ، قد صار يشبه تماماً العالم خارجه ،
عيونٌ ملؤها الحسد تضايقها في كل رواقٍ تذهب إليه من أروقة ذلك القصر الكبير ،
الخشونة والفظاظة في التعامل قد صارا يرافقانها حتى عندما تحاول الحصول على الطعام أو الخروج للتنزه في حدائق القصر ،
بالإضافة إلى الإهمال المتعمد من الجميع بحقها.
إقرأ أيضا: أميرة الورد وأميرها الجزء الرابع
صارت وردة تشعر بأنها منبوذة في هذا المكان ، فأخذ عالمها يصغر ويصغر حتى أضحت حبيسة غرفتها.
ولكنها رغم كل ذلك ، فإنها لم تشتكي لسامر ، بل أخفت الأمر عليه كي لا تُشعره بالأسى نحوها.
بالنسبة إليها ، فقد كان وجود سامر إلى جوارها هو كل ما تطمح إليه ،
نظراته العطوفة ، تذيب الأحزان من قلبها ،
لمسته الساحرة. تبدد الهموم وتصفّي بالها.
ضحكاته الوديعة. تملؤها حيويةً وسعادة.
فماذا تريد أكثر من ذلك؟ هكذا كانت وردة تحدّث نفسها.
وعندما شعر الملك بازدياد الترابط بين سامر وحبيبته وردة ، وأن القطيعة التي أحدثها قد جلبت نتيجة عكسية ،
قام باستدعاء شقيقته عمة سامر ، والتي ترغب وبشدة أن يتزوج سامر من ابنتها ،
وأعطاها مطلق الحرية في أن تتصرف وفق ما تراه مناسباً من أجل إبعاد وردة عن طريق ابنتها.
قامت العمة في البداية بالتقرب من وردة ، فعندما قابلتها أول مرة ، أخذتها بالأحضان وهي تقول لها : الله ما أروعكِ من فتاة.
ثم صارت العمة تغدق على وردة بكلمات المديح الرنانة كلما التقت بها ، بل وتعمل على تنفيذ كل طلباتها.
فأخذت وردة ترتاح لها وتثق بها حتى صارت تتسلى بوجودها خصوصاً بعد مقاطعة البلاط لها.
وعندما استحكمت على صداقتها ، أخذت العمة تستغل سذاجة وردة وطيبة قلبها في شحن صدرها ببعض الأمور التي تعتقد العمة أنها ستوقع الخلافات بين وردة وسامر ،
إلى الدرجة التي ستجعل سامراً في النهاية يتخلّى عن وردة.
أمور من قبيل تعليمها أن تتدخّل في أدق خصوصيات سامر ، وأن تسأله كلما عاد إلى القصر أين كان؟ وماذا كان يفعل؟
لأن العمة تعتقد أن تلك الأمور تنرفز الرجال وتثير حفيظتهم.
بل وأخبرتها أن تكثر من الملح والفلفل في طعام الأمير وكذبت عليها بأنه يحب ذلك.
وعندما فعلت وردة ما طلبت منها العمة ، وجد سامر أن تدخّل وردة وسؤالها عنه ، ما هو إلا زيادة اهتمام من قِبلها تجاهه ،
ودليل على حرصها وخوفها عليه ، فتعاظم حبها في قلبه أكثر وأكثر.
يتبع ..