أنا آنسة في الستين عشت حياتي الطويلة المريرة
أنا آنسة في الستين عشت حياتي الطويلة المريرة كالكوبرى الممدود عبر ثلاثة أجيال لم أعرف الحب ولا الزواج.
في العاشرة كنت أحمل أخي الطفل وأغني له وفي الثلاثين كان الطفل قد كبر وتزوج فحملت أطفاله ،
والآن وقد كبر أطفال الأطفال وتزوجوا وبدأت أستقبل على صدري الهضيم الضامر أبناءهم لأعبر بهم السنين الباقية من حياتي.
أنت لا تعرف معنى أن تعيش على الشاطئ وتقضي في الحرمان ستون عاماً ،
وأنت عطشان لا يمكن أن تعرف هذا لأنك لم تجربه فأنت رجل.
وفي صباي كانوا يقولون إن الرجال خُلِقوا للشارع والمدرسة والنساء خُلِقنَ للمطابخ.
وكان أبي المتوسط الحال يحلم بتعليم أولاده في الجامعة وكان ثمن هذا الحلم بعد أن ماتت أمي أن أظل في البيت لا أبرحه ،
أطبخ وأغسل وأمسح البلاط لأوفر ثمن خادمة وطاهية وغسالة وأعاون أبي على تحقيق حلمه الكبير.
كنت الثمن الذي دفعه جيلنا من لحمه ودمه لتدخلوا الجامعة وتتعلموا وتقولوا للعالم نحن الرجال.
وقد كنت سعيدة بهذه التضحية كنت أماً عذراء لأجيال ثلاثة تربوا على صدري.
لكني الأن وقد تغيرَت من حولي الدنيا أحس أني غريبة في عالم غريب عالم مليء بالثرثرة والغرور والحب والثورة.
بناتي وصبياني الذين ربيتهم ومنحتهم شبابي وعمري ينظرون إلي كأنهم ينظرون إلى تحفة ،
أو أنتيكة ويسخرون مني لأني لا أفهم الوجودية والسياسة والحب ويضحكون علي.
لقد إنتهت دولتي ومطبخي الصغير إحتله الطاهي و لم يبقى لدي سوى البكاء في صمت إلى جوار النافذة.
كنت أطمع فى شيء واحد هو التقدير ولكن حتى هذا لم أحصل عليه.
كم أنا تَعِسَة .
إقرأ أيضا: جرعة ماء
رد الدكتور مصطفى محمود عليها قائلا :
أيتها الأم الكبيرة إن بناتك اللاتي يقرأن في الوجودية ، والسياسة والحب ،
لا يفهمن شيئاً من السياسة ولا من الحب ، ولسن جديرات بأن يكن خادماتك.
أنت الحب يا أماه ، وأنت الشرف والواجب والتضحية والفضيلة.
لقد رضيتي أن تكوني الضريبة على الأجيال الجديدة ،
الضريبة الفادحة على رأسمالية العلم والثقافة والحرية التي تسلمها الرجال خالصة من يديك.
إن كل هذه الثرثرة والمعارف هي بعض من فتات موائدك ،
فإن كنت وجدت العقوق من أبنائك فإغتفريه ، فهذه خُلة الأنبياء أمثالك.
وكفاك إحساس المرأة التي خلقت شيئاً عظيما.
إني أنحني إحتراماً لك ، وأقبل يديك يا مريم الطاهرة.