أنا النمر
خرج الأرنب الصغير لأول مرة باحثا عن طعام وشراب له بعد أن استأذن من أمّه ، وأثناء الطريق قال في نفسه : لن أنسى وصية أمي أبدا :
” أن آخذ حاجتي فقط وألا أعتدي على أحد “.
قطع مسافة قصيرة في الغابة ، أعجبته الأشجار والأزهار الجميلة ، فتابع سيره يتفرج على المناظر الخلابة ،
شعر بالأمان فقطع مسافة أطول.
بالقرب من الصّخور العالية صادف مجموعة ثعالب تلعب وتمرح ، اقترب منها بهدوء ، فسأله رئيسها :
من أنت أيها القادم؟ أجاب الأرنب الصغير مستغربا : ألا تعرفني؟
رد رئيس الثعالب : كيف أعرفك دون أن أراك من قبل؟
أجاب الأرنب بثقة : أنا النمر.
حدّق فيه رئيس الثّعالب بحذر ، ثم ابتعد عنه قليلا ، فكّر في نفسه ، وقال :
لو لم يكن بالفعل النمر الشجاع لما تجرأ وحضر إلى مجموعتنا الكبيرة متحدياً قوتنا.
اقترب رئيس الثعالب من البقية وأخبرهم بالخطر المحدق بهم ،
وطلب منهم الهروب مباشرة والنجاة بأنفسهم من هذا الوحش الذي سمعوا عن قوته كثيرا ، ففروا هاربين ، ليبقى الأرنب وحيدا.
لعب الأرنب الصغير قليلا ، وتناول حاجته من الخضار الموجود في المكان ، ومضى في الغابة يستمتع بجمالها.
بعد أن قطع مسافة قصيرة ، صادف مجموعة غزلان تستريح بالقرب من البحيرة ، اقترب منها بهدوء وشجاعة ،
تفاجأت به ، فهبّ رئيسهم وسأله : من أنت أيها القادم إلى واحة الغزلان؟
أجاب الأرنب بثقة : أنا النمر.
خاف الرئيس ، ابتعد عنه ، وأخبر البقية بأمر هذا الوحش الكاسر وطلب منهم النجاة بأنفسهم ، فهربوا ،
ليجد الأرنب الصغير نفسه مرّة أخرى وحيدا.
إقرأ أيضا: بنت البيضان
استراح قليلا في الواحة ، ومضى ، صادف في طريق عودته إلى منزله وحشا كبيرا مرّ بجانبه ،
سلّم عليه بهدوء واطمئنان ، وتابع سيره.
استغرب الوحش تصرفه ، وعدم الخوف منه ، وقال في نفسه : لماذا لم يخف مني؟
أسرع الوحش ولحق به ، استعد لضربه مباشرة ، لكنه انتظر ، وفكر : أريد معرفة سرّ شجاعته.
اقترب منه وطلب أن يتوقف ، فوقف ، ونظر إلى الوحش الكاسر باحترام وسأله ماذا يريد منه ، ولماذا لحق به؟
لم يجبه الوحش الكاسر ، وسأله غاضبا : من أنت أيها المسكين؟
نظر إليه الأرنب الصّغير باعتزاز ، معتقدا أنه سيهرب منه كما هربت الثعالب والغزلان دون أن يفكر بالسبب ،
وأجاب: أنا النمر.
ضحك الوحّش ساخرا وسأل من جديد : هل تعرفني أيها الصغير؟
لا أعرف أحدا في هذه الغابة.
سأل الوحش : ألا تعرف من هو النّمر؟
ردّ الأرنب الصّغير بثقة : أنا ، أنا النمر.
استغرب الوحش ثقته الزّائدة ، وسأله : من قال لك ذلك؟
أجاب الأرنب الصغير : أمي ، هي التي قالت لي ، وطلبت مني أن أحترم الآخرين.
هزّ الوحش رأسه ، وقال : هيّا معي إلى أمّك.
ذهبا إلى بيت الأرنب ، وعندما وصلا ارتعبت الأم وقالت في نفسها : لقد جلب لي ابني معه الهلاك.
اقترب الإبن ، وأشار إلى أمّه ببراءة : هذه هي أمي.
سألها النمر : لماذا أسميته بهذا الاسم؟ ارتبكت ، ثم بكت.
استغرب إبنها سبب بكائها ، كرر النمر السؤال ، فأجابت :
حباً بك أيّها النمر الطيب ، لم أجد اسما أجمل من اسمك أسمي به إبني الغالي.
إقرأ أيضا: الجمل والحمار
حكى الأرنب الصّغير لهما ما جرى معه بالتفصيل ، وفهم من أمه ، لماذا هربت منه الثّعالب والغزلان.
ارتاح النّمر للحكاية ، وقبل بتبرير الأمّ الذكية ، ثم شكرا النّمر على قبوله بأن يكون صديقاً دائماً لهما.
قالت الأم : لولا اسمك الجميل الذي أوحى لهم بقوتك لقتلوا ابني.
فهم النّمر حكاية الأمّ التي تحبّ إبنها كثيراً
وتحترم قوته ، وقال : أحسنت أيّها الأم ، وأنا مستعد دائما لمساعدتكما.
فرحت بكلامه ، شكرته مرّة أخرى ، ضمّت ابنها ، وهي تراقب النّمر الذي راح يبتعد عن منزلها راضيا.