أنا سعود وهذه قصتي مع السفر والمرض
في أحد الأيام ، سافرت الى إحدى الولايات الأمريكية بغرض التجارة ، إستأجرت سيارة ، قطعت رحلة تجاوزت العشر ساعات لأصل إلى أحد المزادات الكبيرة ،
هدفي كان شراء البضائع وتصديرها إلى الوطن.
وصلت المدينة بساعة متأخرة جدا ، إستأجرت غرفة فندقية وفي الصباح الباكر ، ذهبت لتناول طعام الإفطار.
وعند عودتي إلى الغرفة ، بدأت احدى العواصف الشديدة تضرب هذه الولاية ، وصلت إلى الغرفة بشق الأنفس ،
تبللت ثيابي وكانت الرياح عاتية.
في اللحظة التي دخلت فيها إلى الغرفة، شعرت بدوران شديد ، فقدت توازني ، وبدأت الغرفة تدور وتدور ،
وبدأ الخوف يدب في قلبي ، فأنا في ولاية بعيدة ، لا أعرف أحدا ، ولا أحد يعرف أنني في هذه الولاية.
استمرت المعاناه واشتد المرض ، لم أعرف ماذا أفعل ، انحصر تفكيري في الذهاب إلى المستشفى بسرعة بالرغم من وجود العاصفة.
بدأت أحاول الوقوف ولكن لا فائدة ، اشتد الغثيان وبدأت أفكر أن هذه قد تكون أزمة قلبية.
بشق الأنفس تمكنت من فتح الباب ، ومعي مفتاح السيارة ، الرياح شديدة والأمطار غزيرة ،
كنت في الطابق الأول وغرفتي تواجه السيارة كما في فنادق الطرق السريعة في أمريكا.
وصلت بأعجوبة إلى السيارة ، جلست بداخلها وحينها تملكني الخوف أكثر ، فأنا لا أعرف إلى أين اذهب والعاصفة شديدة ،
ولا أكاد أرى امامي.
بحثت وأنا أعاني من الدوار الشديد والتعب على مستشفى قريب عن طريق جهاز تحديد المواقع ،
بدأت بالسير بحذر شديد ، كانت الرياح تعصف بالسيارة ، وفجأة وبدون سابق انذار ،
توقفت الرياح وانقشع السحاب وتوقف المطر ، الوضع من حولي كان كارثيا ويبدوا أن اعصارا صغيرا قد مر بسرعة.
إقرأ أيضا: شيخ قبيلة من القبائل العربية تقدم به السن
اشتد المرض ، وصلت إلى المستشفى، توقفت أمام مدخل الطوارئ وزحفت داخلا ،
استفقت بعدها على حمالة وطبيب ينظر إلي ، حاول الممرض أن يأخذ معلوماتي ،
في حين قال لي الطبيب أن هذا مستشفى يتبع لشركة ، وأن كل ما يمكنه أن يفعله هو طلب سيارة إسعاف لنقلي إلى اقرب مستشفى عام.
وافقت والوضع مازال صعبا ، لكنه طمأنني أنني لا أعاني من أزمة قلبية.
جاءت سيارة الإسعاف ، وضعوني على نقالة ، وسمعت صوت الإسعاف تسير بسرعة وبعدها استفقت في غرفة الطوارئ ،
وكانت الغرفة باردة جدا وكنت أرتجف.
جاء طبيب وممرضة ، وقال ، سوف نجري لك بعض الصور والتحاليل ، وطلب مني معلومات عامة ،
طلبت منه أن يخفف من الدوار وقال أنه أعطاني دواءا لذلك.
أتذكر مرور الساعات الطويلة وأنا أرتعش من البرد ، أتذكر عندما نقلتني الممرضة لقسم التصوير الطبقي ،
كيف أنني رأيت أضواء السقف تمر الواحد تلو الأخرى في ممر طويل.
عندها دعوت الله وقلت “يارب ، أنا ما عندي غيرك ، أنا وحيد ، أنت يارب مؤنسي وربي وحبيبي ، يارب نجني مما أنا فيه ،
يارب رجعني لبلدي سالم غانم ، يارب ما إلي غيرك ، ياكريم” استمريت بالدعاء حتى أخذ الدواء مفعوله ،
وقرابة الساعة الثانية بعد الظهر ، بدأت أشعر بالتحسن.
أخبرني الطبيب أن لدي التهابا شديدا في الأذن الوسطى وكان هذا هو السبب ،
سمح لي الطبيب بمغادرة المستشفى ، رجعت بعدها لأبحث عن سيارتي ، تحركت محاولا الوصول لأقرب مسجد ، لأصلي صلاة الجمعة ،
طبعا وصلت وكنت متأخرا ، ولم ولن أنسى منظر هذا المسجد والمركز الإسلامي في ولاية جورجيا الأمريكية وتحديدا في أتلانتا ،
مسجد مزين بألوان جميلة وقبة رائعة ومأذنة طويلة.
إقرأ أيضا: بنت البيضان
شعرت بالأمان ، دخلت للصلاة ، وبعد دخولي كان بعض المتواجدين يبيعون طعامًا حلالًا ، اشتريت منه ،
أتممت صلاتي وعدت إلى الفندق دون أن أتمكن من حضور المزاد ، ولكنني حمدت الله وشكرته على الصحة والعافية.
هذه التجربة أثرت في لأن الإنسان مسكين ضعيف ، فلولا رحمة الله علينا ، لما شعرنا بالأمن والأمان ،
مجرد مرض بسيط يصبح الإنسان ضعيفا جدا ، لا يقوى على شيء ، يتغير الحال بين لحظة وأخرى ،
ينتقل الإنسان من الحياة الى الموت بلحظات ، كم هي الحياة عزيزة في تلك اللحظات ، كم هي صعبة أن تكون في مكان لا يعرفك فيه أحد ،
مريضا متواجدا بين أغراب يحاولون مساعدتك ، والوحيد الذي أشعرك بالأمان هو الله سبحانه وتعالى ،
فهو نصيرك في السراء والضراء ، فهو الشافي المعافي ، فهو سندك وعضدك في ساعات الوحدة الصعبة.