أولاد الحطاب الجزء الثاني
قال سمير برعب : الساحرة؟
قالت الساحرة ذات الوجه المجعد نعم أنا الغولة ساحرة المزرعة نبذني الجميع إلى هذا المكان القاصي خلف الغابة بسبب شهرتي في أكل الأطفال.
بالطبع هم حاولوا قتلي لكن لا أحد منهم نجح في ذلك وأقصى ما فعلوه أنهم استعانوا بسحرةٍ آخرين من أجل حبسي في هذه المزرعة اللعينة ،
والتي لا أستطيع الخروج منها وإلا احترقت.
كان ذلك منذ زمن طويل وبين فترة وأخرى يحضر لي بعض الأباء والأمهات الذين لا قلوب لهم أطفالا حديثي الولادة حتى ألتهمهم على العشاء.
فأنا كما ترى وسيلتهم في غسل عارهم الفاضح من جراء أعمالهم القبيحة ،
ولأنه لا أحد سيأتي للبحث عن أطفال مفقودين في هذا المكان المرعب ،
لذا أيا كان الشخص الذي جلبك إلى هنا أيها الفتى فأنا أخبرك بأنه عديم القلب والرحمة تماما.
سحبت الغولة سمير إلى المنضدة فطرحته عليها ثم رفعت ساطورا كبيرا وأرادت تقطيعه ،
وهنا وأمام ذهول الغولة اندفعت مها من تحت السرير وهي تصرخ ،
فصاحت الغولة : ما هذا طفل ثالث كم عددكم يا صغار بالضبط؟
لكن مها لم تمهلها حتى أمسكت بقدر الطعام وقذفته بكل قوتها على الغولة فارتطم برأسها واندلق الحساء الساخن عليها فأحرق وجهها ،
فاضطربت الغولة وأخذت تصرخ وهي تبعد الحساء عن عينيها.
إستغل سمير الفرصة فقفز من على المائدة وأمسك بيد أخته وأسرعا بالهرب من الكوخ ،
في الوقت الذي توعدتهما الغولة فيه بالويل والثبور ثم سمعاها وهي تقول :
لن تستطيعا مغادرة المزرعة مهما حاولتما أتسمعان فهي مسحورة وسأجدكما مهما طال الوقت.
ركض الإثنان طويلا حتى أعياهما التعب فجلسا ليستريحا خلف كومة من القش ،
وكان القمر قد أنار بأشعته الفضية ظلام ليلتهما الباردة تلك.
إقرأ أيضا: الماضي يتجدد مع الأيام لا ينسى!
أخذ الفتى يسترق النظر ناحية الكوخ خشية أن تلحقهما الغولة فلم يرصد شيئا ، قالت مها : لماذا لم تلحق بنا الغولة؟
أجاب سمير بعد لحظاتٍ من التفكير : أعتقد أن الغولة ليست بمفردها في الكوخ.
تسائلت مها : ماذا تعني؟
رد سمير ألم تسمعيها وهي تقول طفل ثالث هذا يعني أنها قد قبضت على طفل آخر قبلنا وكانت تعد العشاء لطبخ ذلك الطفل والتهامه.
مها : وما الذي سنفعله الآن؟
سمير : يجب أن أعود لبيت الغولة فلربما مازال ذلك الطفل على قيد الحياة أما أنتي فامكثي هنا.
نهضت الفتاة وقالت بل سآتي معك فلربما احتجت إلى مساعدتي مرة أخرى.
بعد زوال الخوف والتوتر من الصغيرين عاودا التسلل خلسة نحو المنزل المخيف حتى وصلا إلى حافة الشباك الخارجي ،
فتطلعا من خلاله بحذرٍ إلى داخل الكوخ فشاهدا الغولة وهي تشحذ سكينها وقد غطت وجهها بالضماد ،
وبالقرب منها يرقد طفل أصغر منهما بقليل وهو مقيد.
شاهد سمير على الأرض غطاءا قماشيا فالتفت إلى مها وأخبرها أن لديه خطة ،
تلا ذلك أن حمل الفتى الغطاء وتسلق خشبات الكوخ بمهارة حتى بلغ سطحه ،
ثم عمد إلى القماش فغطى به فتحة المدخنة وأسرع بالنزول.
بعد لحظات امتلئ الكوخ بالدخان فذعرت الغولة وفتحت الباب وخرجت إلى الهواء الطلق وهي تسعل بشدة ،
فانتهز سمير الفرصة فسحب نفسا عميقا وهرول إلى الداخل مستغلا ستار الدخان حتى بلغ الصبي وكانت السكين إلى جانبه ،
فاستخدمها سمير لقطع قيوده ثم جره معه للركض إلى الخارج وبأقصى سرعة.
وبعد أن ركض الثلاثة بعيدا تطلع التوأم إلى ذلك الطفل فذهلا أشد الذهول عندما اكتشفا أنه ليس سوى أخيهما هاني.
صاح سمير : هاني ماذا تفعل هنا؟
أجاب هاني وقد شرع بالبكاء : لقد شعرت بالغيرة لأن أبي كان يأخذكما للغابة دوني للمرة الثانية على التوالي ،
لذا فقد تظاهرت بالنوم هذا الصباح وعند خروجكم تسللت خلفكم ولحقت بكم دون أن تشعروا.
إقرأ أيضا: قصة عواء الذئب
ثم جاء الوقت الذي فقدت فيه أثركم فرحت أتخبط في مسيري على غير هدى حتى وجدتُ نفسي أدخل هذه المزرعة وآوي إلى ذلك الكوخ ،
حيث عثرت الغولة علي فحبستني إلى أن جئتما أنتما فأنقذتماني منها فشكرا لكما ، لكن بالمناسبة أين أبي؟
لم يفصح التوأم لهاني عن حقيقة الحطاب وما فعله بهما ، وبدلاً من ذلك فقد أخبراه أنهما قد أضاعاه هما أيضا ،
وأنهم يجب أن يتحركوا بسرعة ويغادروا المكان قبل أن تعثر عليهم الغولة مفترسة الأطفال.
لكن وفي تلك الأثناء طار فوق رؤوسهم ذلك الغراب الأشعث وأخذ ينعب بصوت عال ليدل الغولة على مكانهم ،
فما كان من سمير إلا أن قذفه بحجرٍ فضربه وجعله يرتد هاربا مخلفا وراءه بضع ريشات سوداء.
لكن الغولة الغاضبة كانت قد اكتشفت مكانهم من صوت غرابها فرفعت طرفي ثوبها ثم طفقت تجري على قدميها الحافيتين نحوهم بسرعةٍ مخيفة لا تتناسب مع عجوز مثلها.
بينما كانو أولاد الحطاب يجرو من الغولة حتى تعثرت مها وسقطت أرضا ،
فعاد إليها أخويها وسألوها إن كانت بخير فأشارت إلى الأرض ،
فاكتشفوا أنها قد تعثرت بمقبض معدني لبوابة خشبية صغيرة على الأرض مغطاة بالتراب.
سارع سمير بسحب المقبض فانفتحت البوابة وكشفت عن سلم في جوف الأرض.
أسرع الثلاثة بالولوج وهبطوا السلم فيما أعاد سمير غلق البوابة وهو يتمنى أن لا تكون الغولة قد اكتشفتهم ، فكان له ما تمنى.
إذ إن الغولة قد فقدت أثرهم ، فجن جنونها وأخذت تهرول حول المكان هنا وهناك تحاول العثور على أي أثرٍ لهم.
نزل الثلاثة إلى نهاية السلم وكان الظلام يغرق المكان لكنه على الأقل خير لهم من مقابلة الغولة المتوحشة حسب اعتقادهم.
قال هاني : هل نحن في أمانٍ هنا؟
قال سمير : لا أعتقد أن الغولة تعلم بأمر هذا المكان فلو علمت لاقتحمته فورا.
هنا أخرجت مها من جعبتها علبة ثقاب وشمعة وقالت :
كان لدي اعتقاد بأننا سنحتاج إليها لذا أحضرتها معي من البيت.
أنار ضوء الشمعة المكان فاكتشفوا بأنهم يقفون داخل ضريح حيث يقبع في زاوية المكان تابوت من الرخام ،
نقشت على جانبه صورة كف مفتوحة.
إقرأ أيضا: حكاية أونامير والحورية الجزء الأول
أمسك سمير رأسه وقال : لقد رأيت تلك الصورة من قبل آه تذكرت إنها نفس صورة اللوحة التي حركتها الغولة من جدار كوخها.
إقترب الثلاثة من التابوت وقرروا الكشف عنه فقاموا بدفع الغطاء الرخامي الثقيل حتى أسقطوه أرضا ،
فبان لهم هيكل عظمي لرجل طويل القامة يقبع في قعر التابوت.
إقشعرت أبدان الإخوة لرؤياه لكنهم كانوا قد اعتادوا على رؤية الأشياء المخيفة في ليلتهم الطويلة تلك.
شاهد سمير مخطوطة قديمة موضوعة بجانب الهيكل فحملها وقرأ ما بداخلها ، ثم التفت إلى أخويه وقال :
هذه المخطوطة تقول إن هذه الجثة تعود للمدعو شمشون صاحب القفاز العجيب والذي يحتوي على خمسة خواتم سحرية ،
تجعل حامله يقوم بأي شيء يريده.
قال هاني : لقد سمعت أبي وهو يذكر شمشون وقال أنه عاش قبل زمن طويل ،
وأنه كان يسيطر على الأشياء بقبضته العجيبة.
هنا أشارت مها إلى كف شمشون العظمية فوجدوا أن أحد الأصابع يضع خاتما ذو حجر كريم.
مد سمير يده بحذر وانتزع الخاتم من الكف العظمية ثم قال :
لقد انقدحت في ذهني فكرة فلقد سمعتُ الغولة وهي تقول أنه لم يتبقى سوى خاتم واحد.
ماذا لو كانت الغولة تخبئ ذلك القفاز المسحور خلف اللوحة في كوخها ،
وأن هذا الخاتم هو الوحيد المتبقي لإطلاق القوة الكامنة في القفاز؟
هاني : وماذا تقترح أن نفعل؟
سمير : قالت الغولة إننا لن نتمكن من مغادرة المزرعة مهما حاولنا لأنها مسحورة ،
لذا فالطريقة الوحيدة لمغادرة المكان هي بالإستيلاء على القفاز العجيب.
أيّد الإثنان فكرة سمير ثم ساروا بحذر وخرجوا من فتحة البوابة وهم يتطلعون في كل الإتجاهات خشية أن تباغتهم الغولة.
إقرأ أيضا: أولاد الحطاب الجزء الأخير
مشى الثلاثة حتى اجتازوا في طريقهم دمية الفزاعة ، فكانت مها تنظر إليها بارتياب فسألها سمير أنه ما الخطب ،
فأجابت لم يكن هذا موقع الفزاعة قبل لحظات أعتقد أنها قد تحركت.
هاني : لابد أنك قد بدأتي تتخيلين الأشياء بسبب الخوف يا أختاه فهي مجرد فزاعة طيورٍ ليس إلا.
وهنا وأمام ذهول الجميع انقضت الفزاعة عليهم بسرعة رهيبة وهي تحمل منجلا عريضا جدا حاولت حصد رؤوسهم به ،
فسارع سمير وقفز على أخويه وانبطح بهم جميعا على الأرض فمرت الضربة الأولى بسلام ،
لكن الفزاعة المخيفة عاودت الهجوم فما كان من مها إلا أن نهضت وأشعلت عود ثقاب وعاجلت برميه على الفزاعة المحشوة من الداخل بالقش ،
فما أسرع ما احترقت وانتهى أمرها.
وما كاد الثلاثة يلتقطون أنفاسهم حتى انقض غراب الغولة على مها وهو ينقر بوجهها ، فصاح سمير : يا إلهي إنه يحاول أن يفقأ عينيها.
مد سمير يديه فأمسك بالغراب وسحبه من على وجه شقيقته ،
لكن الغراب انتفض بشدة وأخذ يصفق بجناحيه وهو ينقر بكفي سمير فيدميهما فأسرع سمير بقذفه على نار الفزاعة ،
فاحترق الغراب غير أنه طار مع ذلك وهو شعلة من نار حتى سقط أرضا وصار يتقلب على التراب إلى أن خمدت نيرانه ،
لكن بعد أن أتت على معظم ريشه تاركة إياه كسيحا لا يقوى على الطيران.
ثم وفي تلك اللحظة بالذات إمتلئ الثلاثة رعبا وهم يرون الغولة وهي تركض نحوهم على يديها ورجليها ،
حتى اكتسحت في طريقها سميرا فجثت فوقه ثم رفعت ساطورها وهي تصرخ ..
يتبع ..