أونامير والحورية الجزء الثاني
قال العرّاف : إسمعي ، ليس هناك من حلّ سوى أن يركب إبنك على ظهر أحد النّسور حتى قمّة الجبل ،
والحوريات يفعلن ذلك للطلوع والنّزول ، وهم يطعمونها ، ويحرسون أعشاشها.
المشكلة أنّ هذ الطيور تكره الإنس لإفسادهم في الأرض ، ولن تقبل بمساعدته إلا إذا إحتال عليها.
لمّا سمع أونامير نحر ثورا سمينا وقسّمه إلى قطع ، ثم ذهب إلى سفح الجبل فعلّق شيئا من اللحم على أغصان الأشجار ،
فكانت النّسور تأتي وتأكل ، وبقي على هذه الحال يومين ،
وفي اليوم الثّالث وجد صفّا منها واقفا ينتظر ، فقال لهم : لديّ كثير من اللحم ، وإن أوصلني أحدكم لقمّة الجبل أعطيته له.
فتقدم واحد منهم ، وقال له : ولماذا تريد الذّهاب إلى هناك؟ من المؤكد أنك تدبّر شيئا ، فنحن نعلم مكركم!
هزّ بقيّة النّسور رؤوسهم ، وصاحوا : لا حاجة لنا بطعامك ، وارحل من هنا.
بعد أن طاروا ، جاء واحد صغير ، وقال لأونامير : هات لي من اللحم الشّحم ، وسأخبرك بشيء يرضيك!
أكل النّسر حتى شبع ، ثمّ قال : أنت لا تبدو مثل بقيّة قومك ، ولا شكّ أنّ أمرا ما دفعك للّتضحية بثور كبير.
فحكى له أونامير عن قصته ، فأجاب النسر : أنا لا أقدر على حملك ، لكن هناك واحد يعيش بمفرده في الغابة وبإمكانه مساعدتك.
شكره أونامير على معروفه ، ثمّ بدأ يدور في الغابة لعلّه يعثر عليه ،
ونزل الظلام ، فجلس ، وأشعل نارا ، ثمّ أحسّ بالجوع ، فأخرج من ذلك اللّحم ، وشواه ، وبدأت الثّعالب والضّباع تقترب منه لتبحث عن عظمة أو شحمة ،
وفجأة هربت كلّ الحيوانات ، ثمّ سمع صوتا حادّا ، وشاهد نسرا كبيرا قد زال أكثر ريشه.
فقال : إنّه يبدو مسنّا ، فكيف سيحملني على ظهره؟
ثم رمى له اللحم ، فأكل.
إقرأ أيضا: أحيانا الحاسد يصنع لك مجدا
وفي الصّباح عاد ، فقال له أونامير : هل يمكنك أن تأدي لي معروفا؟
فضحك النّسر ، وأجاب : ولم لا ، لكن قل لي ما هي حاجتك؟
صمت أونامير ، ثمّ قال : أن تحملني لقمّة الجبل!
ردّ النسر : لقد عشت زمنا طويلا ، ومرّت أمامي أجيال من النّاس ، وكلّ ذلك بفضل زهرة سحرّية تعطي الحياة ،
لكن قلّت مع الأيام لقطعم الأشجار ، وربّما إنقرضت الآن ، وهي سوداء ، أمّا لونها فيشبه التّوت البري ،
لو أتيتني بها لرجع لي الشّباب ، ونما ريشي ، وحينئذ أطير بك حيث تشاء!
إحتار أونامير ، فمن أين سيأتي بهذه الزّهرة؟ هذا إذا كانت أصلا موجودة!
ثم مشى وهو ينظر في كل مكان ، لكن لم يشاهد زهورا سوداء ، وفي الأخير أحسّ بالتّعب ،
فجلس على الأرض ، وأخرج من جيبه خاتما صغيرا من الفضة المنقوشة ، كانت تضعها الحورية في إصبعها ،
ثم بدأ يبكي وتساقطت دموعه على الأرض وفجأة خرجت أرنب وسرقت الخاتم ،
فاتبعها أونامير حتى دخلت غارا صغيرا ، ومد يده فأخرج الخاتم وكان هناك شيء ملتصق به ،
ولما نظر إليه شهق من الدّهشة فلقد كانت زهرة سوداء ، فأخذها.
لكن في الطريق خطر في باله أن يقسّمها إلى نصفين.
ولمّا وصل إلى النّسر أعطاه النّصف ، وما أن أكلها حتى بدأ ريشه في النموّ ، ورجعت له قوّته ،
ثم ركب الفتى على ظهره ، وحلّق به في الهواء.
إستمر النّسر في الصعود ، وبعد أن قطع نصف المسافة ، إلتفت لأونامير ، وقال له : لن أقدر على بلوغ قمة الجبل ،
فما أكلته من الزّهرة ليس كافيا!
ثم رماه من ظهره ، فوقع في غدير ماء ، ولام نفسه على إخفاء نصف الزّهرة ، فماذا سينفعه ذلك؟
وفجأة سمع صوت صهيل ، فرأى حصانا أبيض على جبينه قرن يحاصره أسد ضخم الخلقة ،
فأمسك حجرا ، ورماه بقوة فأصاب رأس الأسد ، الذي زمجر وجرى وراء الفتى ، الذي هرب حتى وصل إلى هوّة عميقة.
إقرأ أيضا: أونامير والحورية الجزء الأخير
فصاح : لقد هلكت!
لكن خرج الحصان فجأة ، وقال له : إركب بسرعة ، ثم قفز به ، وورائه الأسد لكن نجا الإثنان ،
أما الأسد فسقط في الهوّة ، وتحطّمت أضلاعه ، ثم جلسا سيتريحان بعد كل هذا الجري.
وشكر أونامير الحصان ، فردّ عليه : لا أعرف ماذا يفعل الإنس في هذا الجبل ، لكن لولا وجودك ، لصرت طعاما للوحوش !
سأله أونامير : هل تعرف الحوريات اللواتي يعشن هنا؟
أجابه : نعم ، لكن الطريق لا يزال بعيدا لقريتهن وهو مليئ بالمخاطر ، لكن لماذا تسأل؟
قال الفتى : واحدة منهن زوجتي ، واسمها بدرة.
يتبع ..