إستدعى هرقل إمبراطور الأسقف الأكبر للإمبراطورية
إستدعى هرقل إمبراطور الأسقف الأكبر للإمبراطورية ضغاطر فدخل عليه ، وكان كل الناس في الرومان يطيعون أمر هذا الأسقف الكبير ، فعرض عليه هرقل كتاب عجيب ،
وصله من نبي محمد صل الله عليه وسلم.
فلما قرأ الأسقف الكتاب تهلل وجهه وقال : هو والله الذي بشرنا به موسى وعيسى الذي كنا ننتظر.
قال قيصر : فما تأمرني؟
فقال الأسقف : أما أنا فإني مصدقه ومتبعه.
فقال قيصر : أعرف أنه كذلك ، ولكني لا أستطيع أن أفعل ، وإن فعلت ذهب ملكي وقتلني الروم.
خرج الأسقف ضغاطر للرومان ، ودعا جميع الرومان إلى الإيمان بالله تعالى وإلى إتباع النبي الخاتم محمد صل الله عليه و سلم ، وأعلن الشهادة أمام الجميع.
إنه موقف شجاع من هذا العالم ، ولقي ربه شهيدًا ؛ حيث قام الناس وقفزوا عليه قفزة واحدة ، فضربوه حتى قتلوه.
وكان هذا الأسقف أعظم شخصية في الدولة الرومانية ، حتى إنه كان أعلى من هرقل عند الناس ،
وعرف هرقل بقتل هذا الرجل الكبير ، ولم يستطع أن يفعل أي شيء ؛
وفي هذا دلالة على ضعفه الشديد أمام الكرسي الذي يجلس عليه.
وسار هرقل إلى حمص ، فلم يرم حمص حتى أتاه كتاب من صاحبه يوافق رأي هرقل على خروج النبي صل الله عليه وسلم ،
وأنه نبي ، فأذن هرقل بأبوابها فغلقت ، ثم قال لهم :
يا معشر الروم ، هل لكم في الفلاح والرشد ، وأن يثبت ملككم فتبايعوا هذا النبي؟
إقرأ أيضا: في عام 1878 حضر سمعان صيدناوي إلى مصر
فحاصوا حيصة حمر الوحش إلى الأبواب ، فوجدوها قد غلقت ، فلما رأى هرقل نفرتهم ، ويأس من الإيمان ،
قال : ردوهم علي ، وقال : إني قلت مقالتي آنفا أختبر بها شدتكم على دينكم ، فقد رأيت ، فسجدوا له ورضوا عنه.
عقد هرقل مقارنة سريعة بين المُلك وبين الإيمان ، أي بين الحياة ممكَّنًا وبين الموت شهيدًا ،
فأخذ القرار ، واختار الملك والحياة الدنيا ورفض الإيمان ، بعد كل هذه القناعة برسول الله صل الله عليه وسلم ،
وبكل هذا اليقين بنبوته لم يقف هرقل عند حدِّ عدم الإيمان ولم يقبل بالحياد ،
ولكنه سيَّر الجيوش تلو الجيوش لحرب المسلمين مع إحساسه الداخلي أنه سيغلب ، وأنه لن ينتصر على المسلمين ،
ولكن هذا الإحساس لم يمنعه من إتباع الشياطين ، ومحاولة مقاومة الإسلام بداية من مؤتة ومرورًا بتبوك ،
ومعارك متتالية في فلسطين والأردن وسوريا ولبنان وتركيا وغيرها ،
ومع فشله في كل هذه المعارك ومع تناقص الأرض من حوله ومع ظهور صدق الرسول صل الله عليه وسلم يومًا بعد يوم ،
إلا أن هرقل لم يؤمن ، ويبدو أن فتنة الكرسي لا تعدلها فتنة.
يقول الله : {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ} [النمل: 14].
ويقول تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِوَكِيلٍ} [يونس: 108].
المصدر : إبن كثير السيرة النبوية صحيح البخاري.