إصنعي مع طفلك شوربة المسامير
قد يبدو العنوان غريبا لأول وهلة ، ولكن مهلا فليتنا نصنع حقا مع أطفالنا شوربة المسامير.
كنت أقرأ لأطفالي قصة من كتاب يحوي مجموعة قصص عالمية ، وبالطبع أقرأ القصة ،
وأغير في بعضها وأنا أحكيها لأطفالي ، وذلك وفقا لما يتناسب مع ثقافتنا وديننا.
القصة من التشيك ، وتحكي عن رجل فقير كان يجوب الشوارع في البرد الشديد بحثا عن لقيمات يقمن صلبه ،
ولكنه لم يجد ، وكانت ملابسه ممزقة لا تمنحه أيا من الدفء.
جلس الرجل على باب من الأبواب واستغرق في النوم، وفي الصباح فتحت الباب إمرأة عجوز ،
فوجدته ملقى أمام بابها يكاد الموت يقترب منه ، فسألته ماذا بك؟
أخبرها أنه جائع ويعاني من البرد الشديد ، إستضافته المرأة وأعطته غطاء لينال بعض الدفء ، ومنحته كوبا من الماء.
كانت المرأة بخيلة ولا تتقبل فكرة أن تعطي أحدا بعض الطعام ،
ولكن الرجل كان شديد الجوع فاستخدم عقله وفطن إلى أنها بخيلة ،
ولكنه فكر في الوقت ذاته في أنها إستضافته ، أي أنها تمتلك بعضا من الرحمة في قلبها ولو بدرجة بسيطة.
قال لها وهو ينظر إلى مسمار كان في جيبه وقد علاه الصدأ : لو كان عندي موقد وإناء لصنعت أجمل شوربة مسامير.
تعجبت المرأة وقالت : شوربة مسامير! ماذا تقول أيها الرجل؟!
أقنعها الرجل بأنه يستطيع أن يصنع شوربة رائعة من هذا المسمار ، فمنحته الإناء وأشارت إلى الموقد ، والماء.
وضع الرجل الماء والمسمار في الإناء وأشعل النار ، ثم إنتظر قليلا وقال ستكون الشوربة رائعة إذا وضعنا فيها قليلا من الملح والبهار.
أعطته المرأة الملح والبهار فابتسم الرجل وقال : أنتي إمرأة طيبة ، وكريمة ، وظل يثني على كرمها ،
ثم قال : إن بصلة واحدة وحبة واحدة من الجزر كفيلة بأن تجعل الشوربة ذات مذاق طيب.
فرحت المرأة لثناء الرجل عليها ، وخاصة أن كل من حولها يتجنبونها ويصفونها بالبخيلة ،
وأعطته البصل والجزر وبعض الأشياء الأخرى دون أن يطلب!
إنتشل الرجل المسمار دون أن تلحظ السيدة ووضعه في جيبه.
إقرأ أيضا: كما تدين تدان
ثم وضع الشوربة في الإناء وطلب من السيدة العجوز أن تأكل معه ، وظل يشكرها ويثني عليها وعلى كرمها الزائد.
أكلت السيدة العجوز مع الرجل الفقير ، ثم سرعان ما قامت من نفسها وجاءت ببعض العصائر وبعض الطعام من الثلاجة.
ومنحت الرجل غطاء وهو في طريقه للخروج من عندها.
العجيب أنها شكرته وقالت له بامتنان : شكرا على هذه الشوربة الجميلة ، لم أكن أعرف أن مسمارا يفعل كل ذلك!
إبتسم الرجل وشكرها وقال لها : شكرا لك أنتِ فلولا كرمك ما صنع المسمار شيئا ، وقال وهو يحدث نفسه :
إن المسمار لم يفعل شيئا ولكن الكلمات الطيبة هي التي فعلت كل هذا.
هذه هي القصة ، قد تبدو في نظر البعض قصة عادية ، ولكني نظرت إليها من منظور تربوي ،
وكيف أننا قد ننظر إلى أطفالنا الذين لديهم بعض العيوب الأخلاقية أو السلوكية على أنه قد فات الآوان لإصلاحهم ،
وأنهم مصدر ألم وتعب لنا ، فنظل نصفهم بأسوأ الصفات ولا نلتفت إلى الأمور الطيبة فيهم.
لا نكلف أنفسنا أن نثني عليهم ، وأن نمنحهم إشارات إيجابية عن أنفسهم ، وأن نكف عن الذم ، والإنتقاد ، والوصف السلبي لهم.
يمكن لكل أم وأب أن يصنعوا من المسامير التي علاها الصدا في بيوتهم أروع شوربة ،
وأن يجعلوا أطفالهم قادة ومبدعين ومتميزين ولكن بمزيد من الكلمات الطيبة ، والإيحاءات الإيجابية ، والدعم النفسي القوي والإيجابي.
كل طفل لديه بعض الإيجابيات ولا يوجد طفل على هذه الأرض يخلو من إيجابية ما ،
فلماذا لأ نأخذ الصفة الإيجابية فيهم ونمتدحها ونجعلها مدخلا لغرس الكثير من الصفات الحسنة ،
وإخراج الطاقات والمواهب المدفونة في أطفالنا؟!
جربوا أن تصنعوا مع أطفالكم الأمر نفسه وستجدون فيهم الكثير والكثير من الإيجابيات ،
وستتخلصون من سلبياتهم بذكاء وحكمة ودون عناء.
الأمر يتطلب فقط الحكمة والصبر والتعامل مع الطفل على أنه طفل ، وليس على أنه رجل كبير بالغ راشد.
فهل ستجربون صنع شوربة المسامير مع أطفالكم؟