ابنة قلبي
ابنة قلبي
كانت زوجتي حتى في أوقات غضبها على أشياء تافهة بدرت مني أو منها ،
تفتح ذراعي لتضع رأسها العنيد ليلاً عليه ، بعد أن تشيح بنظراتها الحزينة عني ، وتهرب وتغط بنوم عميق بالحال!
وكأنها طفلة صغيرة!
استغرب من طريقتها المضحكة تلك ، وكأن ذراعي ليس معنيًا بي ، أو جزءًا مني وأنا احيانًا قد اكون سببًا بهذا الحزن لها!
أتاملها في كل ليلة تنام بها بهذا الشكل ، أستشعر بلذة الانتصار بعد أن تغفو حقًا ، إنني كنت قادرًا على امتصاص غضبها ،
حزنها ، دموعها أو تعبها مرات كثيرة بتلك اللحظات الأكثر حبًا وهدوءًا!
وإنني كنت السبب لسعادتها ، وطمأنتها وسكينتها ومنحها الأمان ، حتى ولو جرحت مشاعرها دون قصد مني!
اختلفت أنا وأميرتي بعد سوء تفاهم حدث بيننا ، وهذه المرة كان الخلاف مختلفًا بوتيرة شديدة!
ولكن لم أكن يومًا اتوقع ردة فعلها تلك الغريبة ، فليس من عادتها ، أن تصمت وتبتعد عني هكذا!
لدرجة إنها لم تعد تتوسد حتى ذراعي ليومين متواصلين ،
وأنا تركتها على راحتها حينها، لم أكن أريد أن تأوي الى حضني رغمًا عنها ، فابتعدتْ عني كليًا بتلك الليلة!
خرجت لعملي في الصباح ، لم اطبع قبلتي المعتادة على جبينها حتى وهي نائمة أحيانَا ،
بكل براءة لإن نومها خفيف منذ أن حملت بطفلتنا ، لم اتصل بها ولم اطمئن عنها حتى برسالة نصية ،
لخوفي من تجاهلها لرسائلي أو اتصالاتي لها!
كل ذلك بسبب الخلاف وليس من عادتي!
تفاجأت عندما عدتُ للمنزل ، أنها غادرتْ أساسًا من بعدي!
إقرأ أيضا: هرمون السعادة
سافرت من بيتنا بالمدينة إلى قريتها حيث منزل أهلها .
تاركة لي رسالة قرأتها بقلبي ودموعي قبل عيني كتبت بها:
“كان عليكَ أن لا تدع النار مشتعلة فتأكل كل شيء”!
شعرتُ وكأنها تحرق قلبي أيضًا بمضمونها !
وبالأخص إني تركتها لتهدأ لفترة من الزمن ، لأعاود الكلام معها ،
رغم إني كنت أحاول جاهدًا في السابق أن لا يمتد الخلاف فيما بيننا كثيرًا ، وأحاول التسلل لقلبها من جديد!
لكن فاجأتني بتصرفاتها!
فارسلت لها رسائل كثيرة ، يبدو أنها تعمدت قطع الشبكة عن جوالها!
حاولت الاتصال كثيرًا ، جوالها مغلق يبدو خارج التغطية أيضًا!
ياالله كل ذلك ليس صدفة ، لا أحد في الدنيا يفهمها مثلي ، كيف جعلتُ الخلاف يمتد الى هذه الحال ،
أمُ طفلتي التي لم تشاهد النور بعد ، غادرت من بيتي حزينة مكسورة الخاطر
حقًا تبًا لرجولتي!
ماذا أقول لعمي الأن والداها ، الذي لطالما كان يوصيني بزوجتي ، ويقول لي انتبه على ابنتي ، فهي أمانة عندك .
خرجت مسرعًا هذه المرة بسيارتي ، والخوف يتملكني من أن اكون قد تأخرت جدًا بالاعتذار .
كانت تجلس برفقة والديها على الشرفة ، عندما وصلت أمام منزل أهلها وعندما لمحت سيارتي ،
وقفت على عجلة من أمرها ، تتأملني من بعيد بكل تأني
وأنا أهم بالنزول ، وكلي توتر على ردة فعلها اطالعها بحذر ، أن لا تقبل اعتذراي والعودة معي لبيتنا الدافىء!
وعن الكلام الذي سيوجهه والدها الغاضب الآن لي ، على ما احدثته بروح ابنته ، الذي وقف هو الأخر ووالدتها لاستقبالي!
لكن كانت ردة فعلها غير متوقعة ، نزلت من الدرجات الثلاثة من الشرفة على عجلة ،
إقرأ أيضا: لم أكن أحب أخي
وقفت لثواني تنهدت وقد أخذت نفسا عميقًا ، وركضت اليّ وأنا واقف بمدخل المنزل احمل باقة من الأزهار اشتريتها لها بطريقي ،
فركضتُ اليها أيضًا لاشعوريًا ، وضممتها بقوة بين يدي غير مكترث بما قد تكون قالته للعائلة عني!
وراحت تبكي بحضني ، وأنا أردد آسف سامحيني يا
ابنة قلبي على كل ماحدث بيننا تبًا لي.
وهي تدس رأسها بصدري أخذت تقول : إياكَ أن تخبر والديّ على أسرار بيتنا ، فأنا لم أخبرهم بشيء ، وعن ذلك الخلاف اتفقنا ،
وقلت لهم عندما سألوني باستغراب عن أسباب قدومي بدونكَ هذه المرة : إنكَ بمهمة عمل ستتبعني عندما تنهيها!
شكرًا إنكَ لم تخيب ظني وقدمت فورًا .
رفعتُ رأسها عني بعد جمال ما سمعته منها ، قبل أن يصل والديها ، ورحت امسح دموعها بكلتا يدي.
فقلت : اعدكِ أن لا تنزل دموعكِ مجددًا إلا عند موتي يا صغيرتي!
فسارعت وقد وضعت اناملها الرقيقة ، مغلقة فمي بلطف منها ، وهي تمنعني من بقية الحديث!
عندما شعرتْ أنه قد وصل الوالدان من خلفنا ،
فأخذت تقول لي أمامهم : اشتقت لكَ ياحبيبي ، خفتُ جدًا وقلقتُ عليكَ لا تتأخر عني مجددًا!
فاستقبلاني بكل حفاوة، وهو يطبطب على كتفي ، وأخذ يقول لي عمي بعد أن رأى بهجة تلاقينا وشغفنا
أنا وزوجتي!
كم أنا محظوظ برجل شهم مثلكَ سلمته ابنتي ، أشعر وكأنكَ أب لها من بعدي.
حتى لهفتها لي أو لوالدتها وهي تبتعد عنا لأسابيع احيانا ، لا تشبه لهفة لقائكَ الآن!
كأنها تراكَ لأول مرة ، رغم بعدها عنكَ لساعات فقط ،
إقرأ أيضا: تربيت في بيت يخلو الحب منه
بارك الله بك يا بني!
فقلت يا عمي : بالفعل هي ابنتكما ، لكنها اصبحت ابنة قلبي أنا أيضًا لا تنسى!
حقًا لم يكن الأب يعلم ما بنا ولا حتى أمها!
وفي المساء، غادرنا لبيتنا بعد أن قضينا اليوم معًا بمنزل الأهل، وفي طريق العودة بسيارتنا كنت اتربص بشوق ؛
لأعرف لماذا فعلت ذلك أميرتي ، فسألتها عن مضمون رسالتها الصباحية تلك!
ادهشني جوابها معاتبة:
كيف هنتُ عليكَ أن تتركني ليومين حزينة ، ثم اجهشت بالبكاء وهي تشرح لي!
فقلتُ نادمًا : والله كنت أقصد أن اترككِ لتهدأي لنقدر أن نتفاهم!
فقالت مستائة ودموعها تكفن وجهها : عندما تشتعل النار ، بالمنزل عليكَ أن تسرع لإطفاء النار ،
قبل أن تلتهم كل ما بداخل المنزل، من أشياء وذكريات ويغدو رمادًا ، وتختنق بدخان الاحتراق صح!؟
اذهلني الكلام وأنا اصغي اليها بصمت .. شبكتُ يدي بين فراغات يديها وقلتُ : أفهمكِ اكملي حبيبتي!
وأنا شاردٌ بالطريق وبالمعنى العميق لكلامها حقًا!
فقالت: لو إنك حاولت ضمي لصدركَ ليلتها ، لأخمدتَ جزء كبير من تلك النار ،
ولو طبعت قبلتكَ قبل خروجكَ بذلك الصباح كعادتكَ ، لأطفأتْ ما تبقى من نار مشتعلة بداخلي!
لو إنك ارسلتْ لي رسالة بسيطة تطمئن بها علي ، لشعرت إني مهمة لديكَ وسط زحمة يومكَ وعملكَ ، ولهدأت بها نار قلبي تلك.
ولكنك تصرفتْ ببرود ، تجاه كل تلك التفاصيل التي كانت ستنقذ الموقف ، فاشعلت بذلك نارًا بداخلي لا اعرف ماهيتها وكأن حزني لا يعنيكَ ككل مرة!
ما شئتُ أن تكبر النار اكثر لذلك غادرت بيتنا ، ولكني اخفيتُ عن أهلي الأمر لأنني أثق بكِ يا رجلي!
لأنني ادركَ رغم رأسي العنيد ، إنكَ كنت سابقًا تحاول لأجلي ، ولن تخذلني بعدم قدومكَ اليوم إليّ!
إقرأ أيضا: أغرب حادثة سرقة
كادت النار أن تحرق ما. تبقى بيننا، ولكنكَ بقدومكَ اطفأتها أخيرًا!
‘فقاطعتها قائلًا : أحبكِ يابنة قلبي
وضممتها لصدري ، وقلت : كفى تعالي يا مجنونتي!
حتى هدأتْ وبردت نارها!
‘فقالت : أحبكَ ي طمأنيني.
الآن ادركت بعد كلامها ، أن بعض المشكلات كالنار يجب أن نتعامل معها بحذر وبسرعة فائقة ، وادراك كبير!
وأن البيوت أسرار ، وأن الحوار بإيجابية وتروي بين الطرفين كفيلًا بحل أي خلاف!
وأن المرأة مخلوقة عاطفية وبسيطة جدًا ، واهتمامكَ بتفاصيل حزنها يجعلها تقع في حبكَ بعد كل مشكلة من جديد ،
وتلين لكَ مهما كنت فضًا معها أو قسوت عليها،
ومهما بلغتْ من الغضب والعصبية تجاهكَ والعتب لكَ ، ضمة واحدة منكَ لها كفيلة بهدوئها!