اضاءات من حياة الخليفة العابد الزاهد عمر بن عبد العزيز
اضاءات من حياة الخليفة العابد الزاهد عمر بن عبد العزيز
عمر بن عبد العزيز ثامن خلفاء بني أمية وواسطة عقدهم ، ارتفع به العدلُ وردُّ المظالم حتى لُقب بخامس الخلفاء الراشدين بعد انتهاء الخلافة الراشدة بـ60 سنة ،
وطلب العلم على يد الصحابة وكبار التابعين حتى عُدّ واحدا من أكابر علماء عصره.
ولد في المدينة المنورة عام 61هـ ومات مسموما سنة 101هـ بالقرب من مدينة معرة النعمان.
تميزت خلافة عمر بن عبد العزيز بعدد من المميزات ، منها : العدلُ وردُّ المظالم التي كان أسلافه من بني أمية قد ارتكبوها ،
وعزلُ جميع الولاة الظالمين ومعاقبتُهم ، كما أعاد العمل بالشورى ، ولذلك عدّه كثير من العلماء خامس الخلفاء الراشدين ،
كما اهتم بالعلوم الشرعية ، وأمر بتدوين الحديث النبوي الشريف.
استمرت خلافة عمر سنتين وخمسة أشهر وأربعة حيث تولى يزيد بن عبد الملك الخلافة من بعده.
وقد عدَّ كثير من العلماء عمرَ بن عبد العزيز رحمه الله من مجددي هذا الدين.
عنْ أَبِى هُرَيْرَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صل الله عليه وسلم قَالَ : ( إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا ).
رواه أبو داود ( 4291 ) ، وصححه الألباني في ” صحيح أبي داود ” .
قال ابن كثير رحمه الله :
فقال جماعة من أهل العلم ، منهم أحمد بن حنبل – فيما ذكره ابن الجوزي وغيره – :
إن عمر بن عبد العزيز كان على رأس المائة الأولى ، وإن كان هو أولى مَن دخل في ذلك ، وأحق ؛ لإمامته ، وعموم ولايته ، وقيامه ،
واجتهاده في تنفيذ الحق ، فقد كانت سيرته شبيهة بسيرة عمر بن الخطاب ، وكان كثيراً ما تشبَّه به.
” البداية والنهاية ” ( 9 / 232 ).
عندما تلقى عمر بن عبد العزيز خبر توليه (للخلافة) ، انصدع قلبه من البكاء ، وهو في الصف الأول ،
فقال للناس بيعتكم بأعناقكم ، لا أريد خلافتكم.
إقرأ أيضا: قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الفتاتين
فبكى الناس وقالوا : لا نريد إلا أنت ، فقام إلى المنبر وخطب في الناس ، فحمد الله ، وأثنى عليه ،
ثم قال : أيها الناس ! إنه لا كتاب بعد القرآن ، ولا نبي بعد محمد عليه السلام ، وإني لست بقاضٍ ولكني منفِّذ ،
وإني لست بمبتدع ولكني متبع ، إن الرجل الهارب من الإمام الظالم ليس بظالم ،
ألا إن الإمام الظالم هو العاصي ، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق عز وجل.
أيها الناس ، إن لي نفساً تواقة لا تُعطَى شيئا إلا تاقت إلى ما هو أعلى منه ،
وإني لما أعطيت الخلافة تاقت نفسي إلى ما هو أعلى منها ، وهي الجنة ، فأعينوني عليها ، يرحمكم الله!
وأكثر من ذكر الموت ، وذكر لقاء الله.
وذكر مصارع الغابرين ، حتى بكى من بالمسجد.
يقول رجاء بن حيوة : والله لقد كنت أنظر إلى جدران مسجد بني أمية ونحن نبكي ، هل تبكي معنا!
وفي رواية أنه قال فيها : وإني لست بخير من أحد منكم ، ولكنني أثقلكم حِملاً ، ألا لا طاعة لمخلوق في معصية الله ، ألا هل أَسْمعتُ؟
“فقد أعلن منذ أول خطبة له منهاجه الواضح باتباع سنة النبي الكريم صل الله عليه وسلم وهدي الخلفاء الراشدين ،
حتى قال الحسن البصري التابعي الشهير : “ما ورد علينا قط كتاب من عمر بن عبد العزيز إلا بإحياء سنة أو إماتة بدعة أو رد مظلمة”.
ثم نزل فقربوا له المَراكب والموكب كما كان يفعل بسلفه.
قال: لا ، إنما أنا رجل من المسلمين ، غير أني أكثر المسلمين حِملاً وعبئاً ومسئولية أمام الله.
قربوا لي بغلتي فحسب ، فركب بغلته ، وانطلق إلى البيت ،
فنزل من قصره ، وتصدق بأثاثه ومتاعه على فقراء المسلمين.
نزل عمر بن عبد العزيز في غرفة في دمشق أمام الناس ليكون قريبًا من المساكين والفقراء والأرامل ،
ثم استدعى زوجته فاطمة ، بنت الخلفاء ، أخت الخلفاء ، زوجة الخليفة ،
فقال لها : يا فاطمة ، إني قد وليت أمر أمة محمد عليه الصلاة والسلام.
وتعلمون أن الخارطة التي كان يحكمها عمر ،
تمتد من السند شرقًا إلى الرباط غربًا ،
ومن تركستان شمالاً ، إلى جنوب أفريقيا جنوبًا.
إقرأ أيضا: من أروع قصص الفاروق ما فعله مع العجوز التي شتمته!
قال : فإن كنت تريدين الله والدار الآخرة ،
فسلّمي حُليّك وذهبك إلى بيت المال ،
وإن كنت تريدين الدنيا ، فتعالي أمتعك متاعاً حسنًا واذهبي إلى بيت أبيك.
قالت : لا والله ، الحياة حياتُك ، والموت موتُك ،
وسلّمت متاعها وحليّها وذهبها ، فرفَعَه إلى ميزانية المسلمين.
ونام القيلولة في اليوم الأول ، فأتاه ابنه الصالح عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز ،
فقال : يا أبتاه ، تنام وقد وليت أمر أمة محمد ، فيهم الفقير والجائع والمسكين والأرملة ،
كلهم يسألونك يوم القيامة!
فبكى عمر.
عاش عمر رحمه الله تعالى عيشة الفقراء ،
كان يأتدم خبز الشعير في الزيت ،
وربما أفطر في الصباح بحفنة من الزبيب
ويقول لأطفاله : هذا خير من نار جهنم.
أتى إلى بيت المال يزوره ، فشم رائحة طيب ،
فسدّ أنفه ،
قالوا : مالك؟ قال : أخشى أن يسألني الله عز وجل يوم القيامة ، لم شممت طيب المسلمين في بيت المال.
إلى هذه الدرجة ، إلى هذا المستوى ، وإلى هذا العُمق.
دخل عليه أضياف في الليل ، فانطفأ السراج في غرفته ، فقام يصلحه.
فقالوا : يا أمير المؤمنين : اجلس ، قال : لا ، فأصلح السراج ، وعاد مكانه.
وقال : قمت وأنا عمر بن عبد العزيز ، وجلست وأنا عمر بن عبد العزيز.
قالوا لامرأته فاطمة بعد أن توفي: نسألك بالله ، أن تصِفي عمر؟
قالت : والله ما كان ينام الليل ، والله لقد اقتربت منه ليلة فوجدته يبكي وينتفض
كما ينتفض العصفور بلَّله القطْر.
قلت : مالك يا أمير المؤمنين؟
قال : مالي! توليت أمر أمة محمد!
وفيهم الضعيف المجهد ، والفقير المنكوب ، والمسكين الجائع ، والأرملة ، ثم لا أبكي!
سوف يسألني الله يوم القيامة عنهم جميعا ، فكيف أُجيب!
البداية والنهاية لابن كثير /الجزء التاسع / فصل خلافة عمر بن عبد العزيز.