الأخوين وقصر الفضة الجزء الثاني
دخل الفقير للرواق ، ونظر يمينا وشمالا ، فرأى سبعة أبواب عليها زخارف بديعة ، فمدّ يده ليفتح إحداها ،
لكنّه تذكّر وصيّة البنت ، ومشى حتى إقترب من الباب السّابع ثمّ فتحه ، ووقف ينظر بدهشة إلى أكوام الفضّة ،
فأخذ كيسا وملأه إلى الرّبع ، ثم وضعه على ظهره ، وخرج.
لمّا رأته بنت الغولة قالت له : لأنّك لم تكن طمّاعا ، ستفوز بما حملته ، وهو حلال عليك ،
ولو ملأت الكيس لما تمكّنت من الإبتعاد عن القصر ، ولعثرت عليك أمّي ، وقتلتك!
أجابها الرّجل : طول عمري عشت فقيرا ، وما كنت أحلم به ليس الثّراء بل أن أشبع من الطعام أنا وإمرأتي ، وأطفالي.
قالت مسعودة : إذا أحسنت التّصرف فيما حملته فلن تعرف الفقر!
والآن إذهب في أمان الله وسأدّلك على الطريق في هذا الظلام الدّامس.
بعد نصف ساعة توقّفت الفتاة ، وقالت له : واصل في هذا الإتّجاه ،
وستبلغ أوّل أشجار الغابة ، أمّا أنا فسأجري للقصر قبل أن ترجع أمّي من الصّيد.
جلس الرّجل ليستريح قليلا ، وهو لا يصدّق نفسه ، ثم واصل طريقه ، ولمّا طلع الصّباح ذهب إلى السّوق ،
واشترى حمارا وعشرة عنزات ، وطعاما ثم ركب حماره ورجع إلى بيته ومن بعيد شاهد أولاده يقطعون بعض الجذور والأعشاب ،
ولمّا رأوه ، رموا ما في أيديهم ، وجروا نحوه ، وهم يتصايحون ، وقالوا له: إنّنا نحسّ بالجوع يا أبي!
فردّ عليهم وهو يبكي : ستأكلون وتشبعون ،ثم فتح الباب ، وقال أين أنت يا إمرأة؟
تعالي ، فالدجاج المشوي لا يزال ساخنا ، وهناك الخبز والزيتون والفلفل ، فلمّا سمعت صوته بدأت تزغرد ،
ثم مدّ الجميع أيديهم ، وأكلوا.
قال الصّبيان لأمّهم : لقد رجع أبي بقطيع من الماعز ، وهو يرعى قرب الدّار ، فنظرت إلى زوجها باستفهام ،
لكنّه أجابها : سنعدّ برّادا من الشّاي على الكانون ، وسأحكي لك عن كلّ شيء.
وقفت المرأة أمام الشّباك ، وأطلت على العنزات والحمار ، ثمّ قالت : ما أعجبها من حكاية لا تخطر على بال!
لكن أخبرني ماذا تنوي أن تفعل بهذا القطيع؟
إقرأ أيضا: الأخوين وقصر الفضة الجزء الأخير
أجابها زوجها : سنأخذ الحليب ، ونصنع به جبنا وزبدة ، وسأنزل وأبيعها كلّ صباح في السّوق ،
أمّا باقي الفضّة فسنصلح بها هذه الدّار الخربة ، ونأثّثها بأحسن الأثاث!
أجابته : أليس هذا كثير علينا؟ قال لها : الله يرزق من يشاء دون حساب ،
ولن تذهبي بعد اليوم إلى زوجة أخي ، فهي ليست أفضل منك.
وراجت تجارة الرّجل وإمرأته ، وكبر القطيع ، وأصبح فيه الخرفان والأبقار والماعز ،
بعد ذلك اشتريا الأرض التي بجوارهما ، وزرعاها بالقمح والشّعير ، وتحسّنت حالهما ، وحوّلا الدّار إلى قصر.
في أحد الأياّم قالت إمرأة الأخ الغنيّ لزوجها : لم يعد أخوك يأتي إلى هنا ، لا هو ولا إمرأته ، هل تعتقد أنهما بخير؟
أجابها : وما يعنيني من أمره ؟ فقد كان أبي دائما يفضّله عليّ ، لكن في النّهاية نجحت أنا ، وبقي هو معدما.
كانت المرأة تعرف سوء زوجها ، لكن لم تكن تتخيّله بتلك الصّفة ، فأخذت خبزتين ، وشيء من الخضار ، وقصدت دار سلفتها ،
ولمّا شاهدت القصر والضّيعة قالت في نفسها : دون شكّ لقد أخطئت في العنوان!
ولمّا سألت رجلا عن دار فلانة ، أشار إلى القصر ، وهمس : يقال أنّ زوجها عثر عن كنز ، والله أعلم.
فرجعت تجري إلى زوجها ، وأخبرته بما رأت وسمعت ، فتعجب ، وصاح :
هذا لا يمكن ، لا بد أن أعرف منه سرّ ثرائه ، ثم ذهب إليه محملا بالهدايا ، واستدعاه إلى وليمة كبيرة في داره.
ففرح الأخ الفقير ، ولعتقد أنّ أخاه الكبير قد تاب عن فعل الشرّ ، وفي المساء ذهب مع زوجته وأولاده ،
فأكلوا وشربوا ، وبعد الطعام قال الأخ للصّبيان : تعالوا سأريكم شيئا مسلّيا ، ثم عاد بمفرده ،
ولمّا سأله أبوهم : أين ذهبوا ،أجابه : إن شئت رؤيتهم ، فأخبرني عن مكان الكنز!
تظاهر الرّجل بأنّه لا يفهم ، فغضب أخوه ، و قال: لا تحاول خداعي!
لكن المرأة صاحت : سأخبرك بكلّ شيؤ ، وبعد أن حكت له القصّة ، فتح دهليزا مظلما ، وأطلق الصّبيان.
وفي الصّباح تجهّز الأخ الغنّي ، ووضع على حماره زنبيلين كبيرين ، عزم على ملئهما بالفضّة ، ثمّ ركب عليه ، وقصد غابة القصر.
يتبع ..