الإختيار
تلك الرحلة الطويلة المنهكة ، التي عشتها على مدى الكثير من السنوات ، باحثا عن غد أفضل ،
مكانة إجتماعية تليق بك ، بالإضافة لبعض الأموال التي تؤمن بها مستقبلك.
دارت تلك الخواطر في عقله وهو جالس في المقعد الخلفي لسيارته الفارهة.
هو الأن وزير ، الجميع يتمنى رضاه ، إبتسامة منه لأحدهم تعد مكافاة قيمة.
أولاده حصلوا على وظائف مرموقة ، يحسدهم عليها من هم في مثل سنهم.
بالطبع حصلوا عليها بسبب منصبه ، لكن ما المانع ، إن ذلك لا يضر أحدا في شيء ، فالبلاد كلها تسير بتلك السياسة.
كل من يتكلمون عن المساواة ، لن يترددوا لحظة واحدة إذا وجدوا فرصة عمل ،
سواء بالواسطة أو بدفع مبلغ مالي مقابل الحصول عليها ،
لكن لأنهم ضعفاء قليلي الحيلة يخرجون بكلام تافه ، عن كرههم للواسطة.
عادت به الذاكرة لأيام شبابه ، عندما كان مقتنع بكل تلك الشعارات الحمقاء ،
التي تنادي بالحرية والعدالة والمساواة ، وأن الأغنياء سرقوا أموال الفقراء ، ويجب محاسبتهم.
تذكر خروجه في مظاهرات يناير ضد السادات ، وأنه كان رئيسا لإتحاد الطلبة في الجامعة.
كان يلقي الخطب على زملائه ليلهب حماسهم ، إكتشف في النهاية ،
أن كل المناضلين في العالم لم يحققوا ما حلموا به ولم يغيروا شيئا.
فها هو (جيفارا) و(عرابي) و(مصطفى كامل) ، ماتوا بلا مقابل ، ولم يحققوا شيئا مما حلموا به.
كانت الضربة القاضية ، عندما مرض والده ، حاول أن يدخله لإحدى المستشفيات الخاصة ،
لأن حالته الصحية كانت سيئة ، لكنه لم يستطع.
بحث كثيرا بلا جدوى ، فالفقر وعدم معرفته بعلية القوم ، كانا سدا منيعا أمامه.
حتى جاءته عدالة السماء حينما إلتقى رئيس الجامعة بالصدفة ، أخبره بحالة والده.
إقرأ أيضا: دخل الجراح سعيد إلى المستشفى بعد أن تم إستدعائه
كان شرط رئيس الجامعة واضحا ، (سوف أساعدك في علاج والدك ،
لكن يجب أن تكون معنا وتكف عن إنتقاد النظام ، وكتابة المقالات ضده.
ربما كانت لحظة إستسلام ، ربما إنتصار ، ظن أته يكتب بيده شهادة وفاته.
فطن للحقيقة بعد وقت قصير ، إنه يولد من جديد ، هم دائما رابحين ، وجوده بجانبهم سوف يضمن له مستقبل مشرق ،
لم يتردد في الموافقة ، قرر أن ينضم للمعسكر الذي طالما هاجمه مرارا.