الباسل قصة قصيرة الجزء الأول
الباسل قصة قصيرة الجزء الأول
مهيب منذ صغره كان يعرف بشجاعته وقوة شخصيته فلقب من طرف قبيلته مع مرور الوقت بالباسل الذي لا يخشى الصعاب.
كان محبوبا من طرف الجميع يحترمون رأيه ويأخذون به في أهم قراراتهم ، كما كان يخافه كل من داس على طرفه ،
لأنهم يعلمون جيدا أنه لا يقبل من يطيح بكرامته أرضا فيقتص من كل من تجرأ على أذيته أشد العقاب.
وفي أحد الأيام قام مهيب بإطلاق صقره في الجو الذي قام بتربيته منذ أن أهداه له جده في صغره ،
لكن الصقر هذه المرة طال غيابه ولم يعد كما اعتاد منه رجوعه ليحط فوق ذراعه بعد أن يصطاد فريسته ،
كطائر ما يحلق متأخرا عن سربه أو أرنب شريد في الحقول.
فاستغرب مهيب من تأخر صقره ، لذا قرر أن يبحث عنه بنفسه بمساعدة أصدقائه في البراري.
لكن بعد يومين كاملين كل تعبه بالبحث في داخل قريته باءت بالفشل ، فما كان عليه سوى أن يبحث خارجها.
جمع مهيب بعض من أغراضه المهمة وانطلق عازما أن لا يعود إلا وصقره ما بين يديه ، ففضل أن تكون رحلته سيرا على الأقدام.
بدأ مهمته عبر الوديان والغابات وكل مرة كان يجرب المنادات عليه بالتصفير عليه من تحت لسانه ،
فهذه هي كانت طريقته لكي يتواصل مع صقره من بعيد.
لم تكن الرحلة سهلة كما ظن مهيب ، فكلما مر الوقت ولم يجد فيه صقره شهاب يبتعد أكثر عن قريته ،
حتى وصل إلى ضواحي القرية المنبوذة.
فهي قرية حرمت على أهالي قرية مهيب أن يطأوا أقدامهم فيها منذ سنين ، وهذا بسبب ثأر ما بينهم.
ولكي لا تكبر العداوة أكثر وتحقن الدماء ما بينهما ، قررا كلا من القريتين أن لا يحتك أحد أفرادهما بالآخر.
وفعلا كان ذلك حتى حنث مهيب بالعهد دون قصد منه.
فدخل أراضي القرية المنبوذة عن طريق النهر الصغير المؤدي إليها ، فحط رحاله على ضفتها.
وأراد أن يستريح قليلا حتى يبزغ النهار بما أن الظلام خيم عليه فيها ، ثم يعود أدراجه في اليوم الموالي.
إقرأ أيضا: جبر خواطر
وفي الصباح الباكر بينما مهيب مستلق على الأرض يتوسد حقيبته استيقظ على أصوات الضحكات ،
وعندما فتح عيونه ليتأكد مما تتلقاه مسامعه ، وجد فتيات فائقات الجمال على ضفة النهر يغسلن الثياب ،
وهن يرددن أغنية يحفظنها عن ظهر قلب ، وأخريات يلعبن بماء النهر يرمينه على بعضهن البعض وهن في كامل سعادتهن ،
كل هذا ومهيب كان مبتسما يشاهد تلك الفتيات من بعيد وهو مختفي ما بين الشجيرات ،
لم يتجرأ أن يتحرك من مكانه حتى لا يلاحظن وجوده ويقمن بفضحه أمامهن ،
لأن ذلك يعتبر من أكبر الكبائر لديهم ومن يفعل ذلك متعمدا سيكون عقابه دون رحمة من طرف حاكم قريتهن.
ولكن دون سابق أي إنذار تلقى مهيب ضربة على رأسه من الخلف على إثرها سقط مغشيا عليه.
حتى مر بعض من الوقت ليستفيق مجددا يجد نفسه مكبلا من يديه وقدميه وكل الفتيات محاطة به تنظر إليه باستغراب والشرر يتطاير ما بين عيونهن الملونه التي تشبه عيون الغزلان.
تترأسهن فتاة تفوق جمالهن تطوي كفيها ما بين حضنها وعلى كتفها يحط صقرا به جرحا في ساقه الملفوفة بقماش أبيض ،
وعندما تأكدن أنه استعاد وعيه تقدمت رئيستهن نحوه تسأله من أي قرية هو؟
وكيف له أن توسوس له نفسه الأمارة بالسوء حتى يقدم على فعلته الشنيعة هذه حتى يتطاول على حرمتهن؟!
حينها اندهش مهيب مما يراه أمامه ، ليس بسبب توجيه تلك الفتاة المسترجلة تهمة صريحة نحوه ،
أو أنه أدرك أن الضربة التي تلقاها في الواقع هي من أقدمت عليها ،
بل كان اندهاشه نابع من رؤيته لشهاب الذي يكون صقره والذي يبحث عنه منذ قرابة أسبوع ، تحمله نفس الفتاة على كتفها.
فأصبح في تلك الأثناء ينادي الصقر بإسمه ولكنه لم يتلقى استجابة منه ، فبدأ بسؤال الفتاة أين وجدت شهاب؟
وعن سبب لف ساقه بالقماش الأبيض؟
لكن الفتاة لم تعر أي اهتمام لأسئلته ، وظنت أنه يراوغ في الكلام كي يجد منفذا للهروب من ذنبه ،
حتى غير مهيب من تفكيرها السيء نحوه.
إقرأ أيضا: قصة عودة الطيار فهد السعدون من الموت ومن الذين أخبروه بالمستقبل
إذ أنه تأسف لجميع الفتيات أنه لا يقصد أن يكون بهذا الوضع المحرج بالنسبة إليه.
فهو يعلم جيدا الأصول واحترام خصوصية المرأة ، وحاول أن يروي لهن قصته وسبب وجوده في منطقتهن المحرمة هذه.
في تلك اللحظة قاطعته الفتيات ليطلبن من أجاويد رئيستهن أن ياخذنه معهن ليعدن به إلى ديارهن ،
حتى يتلقى العقاب اللازم مما ارتكبه من جرم حقهن.
هنا وقف مهيب ليرهب الفتيات بعد أن قام بفك رباطه بكل سهولة ظنا منهن أنه سيقوم بأذيتهن ،
لكن في الحقيقة فاجأهن بطلبه أن يدلونه عن طريق عودتهن لديارهن حتى يذهب معهن ،
ويحكم حاكم قريتهن عليه هذا إن ثبت عليه الذنب بعد سماع برهانه.
ذهب مهيب مع الفتيات بكل إرادته الى عقر ديارهن المحرمة عليه دخولها بعهد موثق منذ سنين من احدى قوانين قريته.
وعندما لاحظوا أهالي القرية ذاك الشاب الغريب يدخل ديارهم بمفرده مع فتيات قريتهم ،
علموا أن هناك خطب ما ، فاجتمعوا جميعهم ليطوقوه من كل جهة واتجهوا به إلى حاكم عشيرتهم كما أمرتهم أجاويد.
إستمع الحاكم أولا لأجاويد التي أخبرته بالقصة كاملة.
أنهن وجدن ذاك الشاب الغريب مختفي ما بين ضفاف النهر يسترق النظر إلى فتيات قريتهن وهن يقمن بأعمالهن اليومية.
ولو لم يكتشفن أمره لكان قد تجاوز حد جرمه وتطاولت أنظاره إلى فضح سترهن وهن يقمن بإستحمام أنفسهن داخل مياه النهر.
هنا قامت القيامة بعد سماع أهالي القرية لأجاويد ، أن بناتهن كاد يفضح عرضهن من قبل شاب أحمق تجرأ على فعل المنكر.
فاستشاطوا غضبا وحاولوا التعدي على مهيب وقيامهم بضربه ،
بل طالبوا بقتله لولا أمر حاكمهم العادل أن يلتزم كل فرد منهم بالصمت والتمسك في غضبه.
كما طلب منهم أن ينتظروا الحكم الأخير بعد أن يسمعوا للجاني ، فالأمور لا تحل بالفوضى.
بعدها قام الحاكم بسؤال مهيب عن كنيته ومن أي قرية هو وعن سبب وجوده في المنطقة المحرمة؟
إقرأ أيضا: الباسل قصة قصيرة الجزء الثاني
حينها لم ينكر مهيب كنيته ولا عن اسم قريته رغم أنه يعلم جيدا أنه سيكون بذلك في خطر ،
وبالفعل ما إن سمع الجميع اسم القرية المكروهة بالنسبة إليهم وتذكروا الثأر الذي ما بينهم ،
حتى عادوا من جديد إلى الفوضى بالصراخ وقيامهم بقذف مهيب بالحجارة حتى أصابوا جبينه ليسيل منه دما غزيرا على وجهه.
هنا وقف الحاكم مطالبا بحزم أن يتوقف الجميع عن الشغب وإلا سيجعل من جلسة الحكم منفردة في الخيمة التابعة لاصدار الأحكام لدى عشيرته.
وما إن امتثل الجميع الصمت والهدوء طالب الحاكم مجددا من مهيب أن يكمل سبب وجوده بنواحي قريته المحظورة ،
الذي أخبره بدوره أن السبب هو ذاك الطائر الذي أشار باصبعه نحوه.
فاستغرب الجميع من كلامه ، ثم أردف مهيب يقول لهم أن ذاك الصقر الذي تحمله بنتهم تلك على كتفها هو شهاب ،
صقره الذي خرج للبحث عنه بعد أن طال غيابه من آخر مرة أطلقه في البر ،
ولم يكن منتبها عندما دخل حدود قريتهم وذاك بعد أن داهمه الظلام مساء ، ولم يستطع العودة حينها أدراجه.
لذا قرر أن يبيت على ضفاف النهر والبقية أشاد بيده نحو الفتاة أنها تعلم البقية ،
فهي وجدته برأيها كالمتلبس مختبئا ، ولكن في الحقيقة أراد أولا أن يغادرن الفتيات من على ضفة النهر ،
وبعدها يسترسل في البحث عن شهاب بعيدا عن منطقتهم.
ولو أراد بقوله سوء لكان أخذ الصقر من الفتاة عنوة وقام بأذيتها بكل سهولة وعاد من حيث اتى ،
ولا أحد منهم قد يستطيع كشف أمره مهما حاولوا العثور عليه بغية إمساكه ومعاقبته.
يتبع ..