البداية الخاطئة تقود لنهاية محتومة الجزء الثاني
ما إن دخلنا حتى قصَّت أمي لأبي كل ما حصل ، فقال أبي : كلامي في الغد سيكون مع أبيه ، وأنتِ لا تردي عليه بكلمة وأخبريني بكل ما سيقوله لك.
لكن مرَّ يوم كامل لم يرسل لي حرف واحد.
عاد في مساء اليوم التالي ، بعدما تحدَّث مع أبيه ، فسرد لنا قوله :
إبني أخطأ ولا نستطيع أن ننكر ذلك ، وهي زميلته في المصنع لا أكثر ، وكانا يتكلمان في تلك الليلة بمشكلات اعترضتهما في العمل ،
وكان الحديث بمقاطع تسجيل صوتية ، أرسل لي إبني بعضها ، واستمرَّ الكلام بينهما ،
بأنَّ إبني قد قال لها بأنه متعب من العمل خارج المنزل وداخله ، وينتظر بفارغ الصبر قدوم زوجته ،
لكن من الواضح أنها استطاعت أخذ رقم إبنتكَ دون علمه ، وهو لأجل تصرفها ذاك ، قد قطع صلته بها ، فابني لا يزال يريد إبنتك.
صمت أبي للحظات ثم قال لي : إبنتي ، لا دليل مؤكد بين أيدينا ، ربما هو بريء ، وهي إمرأة بلا أخلاق ،
لكن إن تم زواجك به ، فالطلاق محرم عندي ، حتى وإن ثبتت خيانته بعد ذلك ، ستصبرين وتحتسبين ،
أما إن رغبتِ بالطلاق سيتم الآن بلمح البصر ، معكِ يومان للتفكير لا أكثر ، وأنا أخبرت أبيه بذلك.
لم أستطع رفض العودة إليه أو الموافقة ، فأنا أحبه من صميم قلبي ، لا بل أعشق كل تفاصيله ،
فكم دعوت الله أن يكون من نصيبي وكم خشيتُ أن يأتي يوم لا يكون فيه بحياتي ،
لكني وبذات الوقت لم أستطع أن أتخيل أنه خائن ، ولم أستطع أن أستوعب أن تأتي ذات المرأة بيوم ما وتقول لي أحب زوجكِ
لجأتُ إلى الصلاة والدعاء كثيراً في تلك الليلة ، كي أستطيع أخذ القرار الصائب ، وبلحظة أتتني رسالة ،
فحلَّق قلبي فرحاً بأنه هو ، لكني صُعِقْتُ بأنها ذات المرأة كتبت لي من رقم آخر :
عزيزتي ، زوجك يحبك كثيراً ، ويحبني أيضاً ، أنتِ فتاة صغيرة لم تتعلمي من تجارب الحياة بعد ،
وأنا إمرأة ناضجة ، وتأكدي بعد زواجكما سأزوركما كثيراً ، وربما أُشارككِ به.
إقرأ أيضا: قصة أرمنية والأصالة السورية
أرسلت الرسالة مباشرة لزوجي ، فاتصل بي مرات كثيرة ، وعندما لم أجب أرسل رسالة مكتوبة قال بها :
لقد كنت على علاقة معها أول سفري ، عندما تركنا بعضنا شهران آخر أيام خطوبتنا ، تعرفتُ إليها ، وأنتِ السبب ،
تركتيني بسبب سوء فهم ، جعلتيني كالمجنون ، وعندما عدنا وأصبحتِ زوجتي مهدت لها أني سأنفصل عنها ،
لكنها لم تستوعب كلامي فقد أحبتني من قلبها.
حينها أدركتُ أنه كاذب عندما أقنع أمه وأبيه أنَّ لاشيء بينهما ، وانقبض قلبي خوفاً من أن تكون العلاقة بينهما قد تعمَّقت ،
وأن أعرف ذلك بعد فوات الأوان ، لكنه حينما اتصل مراراً وتكراراً وألَحَّ عليَّ بالإجابة عليه ،
تذكرتُ جملة حماتي بأنَّ لا أحد معصوم عن الخطأ ، لكن عدت وقلت في قرارة نفسي :
وإن عاد لتكرار الخطأ نفسه ، من سينقذني منه ، إن كان أبي المنقذ الوحيد قد أعلن انسحابه بعد ذلك.
لم أجد من نفسي سوى أن أخرج من غرفتي وأُري أبي رسالة زوجي وصديقته ، وما إن رآها أبي حتى قال :
تبريرٌ لعلاقة محرمة ، ربما تعاد بعد الزواج مراراً عند أي مشكلة أو سوء فهم بينكما ،
أنا لا أعطي إبنتي لشاب بلا أخلاق والطلاق سيتم غداً.
أخذ الهاتف مني كي لا يحاول الاتصال بي مرة أخرى.
وفي صباح اليوم التالي أحضر لي خطاً جديد ، وفي المساء أتى أبيه مع كاتب المحكمة كي يتم الطلاق ،
وبعد أن تأكد أني تنازلتُ له عن كافة حقوقي ، قال : لقد طلقتها ثلاثاً.
دخلتُ في أزمة نفسية ثلاثة أشهر ، فلم أستوعب أن الشاب الذي عشقته ودعوت الله أن يكون من نصيبي ،
طلقني قبل سفري إليه بخمسة عشر يوماً ، مما جعل والدي يقرر أن تتقدَّم زوجة صديقه لرؤيتي ،
لعلَّ زواجي يتم بأسرع وقت ، وأنسى بذلك جرحي .
شعرتُ أنَّ أيام خطبتي كانت أضغاث أحلام ، لم أشعر بها شيئاً فقد كان رجائي فقط ، أن أنسى بهذا الزواج طليقي ،
واستمرَّ عدم إحساسي لبعد الزواج بثلاثة أشهر ، فقد صحوت من غيبوبتي فجأة وأنا أصرخ بكلمة طلقني ، لا أحبك.
إقرأ أيضا: لن تعرفي قيمتي إلا إن خسرتيني الجزء الأول
تعرَّضتُ للتوبيخ من أبي كثيراً ، وللضرب من زوجي الذي لم يتوقف يوماً عن لوم والديه بأنهما السبب بزواجه من فتاة مطلقة ،
فبات يشك بنظراتي وحركاتي ، وحاوطه الشك لدرجة أنه لم يرغب حتى أن ألقي التحية على أخيه ،
فقد خشي أن أخو*نه مع أي شخص ينسيني طليقي كونه لم يستطع هو ذلك.
أيقنتُ حينها أنَّ معاناتي كلها كانت بسبب ما اقترفت يداي ، وأني كما خنتُ ثقة والداي ، فقد خانني حبيبي ،
كوني ذهبتُ معه مراراً أيام الخطوبة للحديقة سراً ، وسمحتُ له بالاقتراب مني ولمس يدي ، فعاقبني الله على ذلك ،
لتتطور معاناتي عندما وافقتُ على الزواج من رجل كي أنسى رجلاً آخر.
كنت أعلن الحداد كل سنة بليلة طلاقي ، فقد كان مظهري يبدو كمن توفي لها عزيز ،
فلم يعد الندم يفارقني كوني لم أسامحه وأتمسَّكَ به وأقف بوجه العالم لأجله ،
فأبقى ليالي أتذكر أيام الحب التي عشتها معه ، مما جعلني أمقت زوجي ويمقتني ،
فنتشاجر على كل كلمة وردة فعل ، فيعلو صراخي ، فيضر*بني ، فيزداد خصامنا أياماً أخرى.
حمدتُ الله بكل سنة تمضي أنني لم أحمل إطلاقاً ، وبعد أن قام بعرضي على أطباء ، لعلَّ حملي ينسيني حبي ،
تبيَّن أنه استحالة أن أحمل ما لم تتحسَّن نفسيتي.
وبعد مضي خمس سنوات ضاق بي ذرعاً لكثرة المشاكل التي افتعلها ، فطلقني ، وكانت تلك الليلة من أسعد ليالي حياتي.
عدت لمنزل أهلي أنا وذكرياتي التي لم تفارقني يوماً ، وبعد مضي بضعة أشهر ،
سمعت وبمحض الصدفة كلام أمي مع أبي :
اتَّصلَت أم أحمد بي صباحاً ودعتني لاحتساء القهوة عصراً للحديث بأمر هام.
اذهبي لنسمع ما تريد قوله.
مضت الساعات عليَّ ، كأنها سنوات ، إلى أن عادت أمي ، وبدون أن تتكلم معي ، ندهت لأبي ، فلم أجد سبيلاً إلا أن أسترق السمع :
طليق ابنتنا ، قد طلَّق زوجته وهي ذاتها التي كان على علاقة بها أثناء زواجه بابنتا ،
إقرأ أيضا: أميرة الورد وأميرها الجزء الأول
والسبب أنه سمعها وهي تتحدَّث مع رجل على الهاتف ، وبعد مراقبته لها تبيَّن له أنها تخ*ونه ، مما جعله يطلقها ، ويأخذ ابنته منها ،
ويعود للوطن وهو بمنزل عائلته منذ بضعة أشهر ، وبالتحديد بعد طلاق ابنتنا ببضعة أيام.
ولأنَّ أمي لم تتوقف عن زيارة أم أحمد أخبرَتها أنَّ ابنتنا لم تنجب أطفال ولهذا السبب طلقها زوجها ، وهي تريد أن تخطبها لابنها.
تساقطت دموعي من الفرح ، وأنا أنتظر ردَّ أبي ، لكن حينما طال صمته ، انقبض قلبي خوفاً من أن يرفض ، فقال :
أخبريهم أنَّ قدومهم مع ابنهم سيكون بعد يومين برفقة المأذون لعقد القران ،
وليلة الزفاف بعد أسبوع ، غير ذلك لا بنات عندنا للخطبة.
حلَّقتُ فرحاً وبلحظة نسيت كل سنوات الحزن والدموع التي عشتها ، وكان يوم عقد قراني أروع يوم في حياتي ،
نظرت له بطرف عيني ، بابتسامة ونظرة خجل ، وهو بالمقابل تجنَّب النظر إلي ، وبعد أن أصبحتُ زوجته قال أبي :
مبارك لكما ، وممنوع أن تأخذا أرقام بعضكما ولن تَرَيا بعضكما البتَّة إلا بعد ليلة الزفاف.
تعالت ضحكات الجميع إلا أنا وهو ، فقد كان الخجل يغلب علينا.
انتظرت ليلة الزفاف بفارغ الصبر ، إلى أن أتت الليلة التي كنت أظنها مستحيلة ، وباللحظة التي ارتديتُ بها الفستان الأبيض ،
شعرت كأنَّ العالم قد خلا من الناس إلا أنا وهو ، وعاهدنا الله وأنفسنا بتلك الليلة ، أن لا نسمح لإنسان ولا لمشكلة أو سوء فهم ،
أن يُبعدنا عن بعضنا ، أو حتى يحزن أحدنا من الآخر لأي سبب كان.
ونسينا بتلك الليلة كل ما مضى ، وعاهدني أن أكون المرأة الوحيدة بحياته طوال عمره ،
وعاهدته أن أضع إبنته بقلبي وتصبح غلاوتها عندي بغلاوته ، ولم تمضي بضعة أشهر حتى حملتُ ،
مما جعله يرعاني كأني طفلة صغيرة ، ليزداد فرحه عندما تبيَّنَ أني حامل بصبي.
ولدت ابني واكتملتْ لوحة السعادة التي طالما حلمت بها ، حيث التزم بكل ما عاهدني به وخاف الله بي ،
والتزمت بكل واجباتي تجاهه وتجاه ابنته عن حب لدرجة أنها باتت تناديني أمي.
ولأنَّ نوايانا كانت صادقة ، قاده الله لتجارة كانت رابحة بامتياز ،
مما جعل وضعنا المادي يتحسن لدرجة أننا أصبحنا الأغنى من بين أقربائنا.