البركة

البركة

أكاد أٌجزم أن بيوت جداتنا كانت معجزة ، فعقلي البشري لا يعطيني تفسيرا منطقيا لما كان يحدث في هذه البيوت.

كيف كنا نستمتع باللعب في بيت جدتي إلى هذا الحد ولا توجد به أجهزة كمبيوتر أو تابلت أو لاب توب ،

فقط عروسة قديمة لا نعرف لمن كانت وكرة.

كيف كانت ساحة منزلها آمنة للعب رغم عدم وجود رجل أمن أو حارس عقار.

لا أتذكر أن يوماً تراكمت الأطباق داخل حوض مطبخها ، لا أتذكره غير نظيفا جافاً رغم عدم وجود غسالة أطباق ،

وتناول أكثر من عشرين فرد الفطور والغذاء والعشاء في هذا البيت العجيب.

كيف كان غسيل جدتي ناصع البياض رائحته العطرة تملأ الشارع ولم يكن لديها غسالة أوتوماتيك ،

ولا كانت تضيف معطر للملابس.

كيف كانت الفاكهة في هذا البيت تكفي كل هؤلاء الأبناء والأزواج والزوجات والأحفاد والجيران ،

رغم أني أتذكر أن جدي بعد عودته عصرا من العمل كان يضع ثلاثة أكياس من الفاكهة ويقول لجدتي (جبت ٢ك من كل نوع ).

كيف كانت جدتي تفعل كل هذا وفي نفس الوقت تسهر معنا وتضحك وتلعب وتحكي لنا أروع القصص ، وتنام بعدنا وتصحو قبلنا.

أسئلة كثيرة تراود عقلي وأبحث عن إجابات لها.

أكانت هذه هي البركة ، أم الحب ، أم الزمن؟

هل سيأتي يوما ويتحدث أبنائنا وأحفادنا عن بيوتنا هكذا ، أم فقط سيتذكرون صورنا ونحن نجلس أمام هواتفنا.

إقرأ أيضا: سألني أحدهم عن الفرق بين الرجل والمرأة؟!

هل سيتذكرون تفاصيل بيوتنا كما أتذكر تفاصيل بيت جدتي ،

أم فقط سيتذكرون صوت رنة الميكرويف وغسالة الأطباق عندما ينتهوا من أداء مهمتهم!

هل سيشعروا بالأمان كما أشعر به إذ أغمضت عيني وتذكرت بيت جدتي ،

أم سيتذكرون خوفنا الزائد عليهم من البلكونة العالية ومن العصابة التي تخطف الأطفال أسفل المنزل ،

ومن صعود الأسانسير بمفردهم.

من له تفسير لما كان يحدث في بيوت جداتنا فليعلنه بأعلى صوت وسنقوم به على الفور.

Exit mobile version