التاجر الذي ورثه إبنه حيا الجزء الثالث

التاجر الذي ورثه إبنه حيا الجزء الثالث

وكان الشيخ لا يفعل شيئا سوى قضاء كامل اليوم حذو حصانه ، وكان الإبن يبالغ في دلاله ويعطيه أحسن أنواع الشّعير ،

وشيئا من الخضار : الجزر والخيار ، والفجل ، ويغطيه بلحاف جديد.

وقال بهاء الدين في نفسه : لقد أصبح حال الدواب أحسن منّي ، وكان التّاجر كلّما إشتهى خضارا أخذ من آنية الحصان ، وأكله.

وعندما يبرد في الليل يسحب عنه لحافه الدافئ ، ويتدثّر به ، وكان دائما يدعو لإبنه بالهداية.

حملت زوجة الإبن ، وأنجبت له ولدا ، كبرالغلام حتى بلغ عشر سنوات ، وكانت الزوجة تزداد كرها لحماها حتى ما عادت تحتمل رؤيته رغم أنه صار خارج البيت.

فما عادت ترغب في وجوده حتى في الاسطبل.

إذ كانت تخجل عند زيارة الناس للبيت ، ومشاهدتهم لذلك الشيخ القذر مع البهائم ، ولا تعرف ما تجيبهم عندما يسائلونها :

من هو ذلك المتشرّد ، ولماذا لا تحسنين إليه لوجه الله؟

حتى أتت زوجها يوما قائلة : ” ما عدت أرغب في وجود أبيك في المنزل سألها ما العمل إذاً؟
إنه أبي.

أجابته : لا يهمني اطرده من هنا ، وإلا أخذت إبني وغادرت المنزل!

قال لها : لا تقلقي ، سأتصرّف معه ، ولأنّه كان طيّعا خاضعا ذليلا لها ، قصد أباه قائلا :

أنا آسف يا أبي ، لن تبقى في هذا المنزل بعد الآن.

إندهش الشيخ ، وسأل لماذا؟ ألم يكفك ما آل إليه حالي ، بكى وترجّاه أن يرحم شيخوخته ، على الأقل هنا يعيش بكرامته ،

ولا يضطر إلى طلب الإحسان من النّاس.

إقرأ أيضا: التاجر الذي ورثه إبنه حيا الجزء الرابع

لكن الإبن ردّ عليه ، أخرج حالا ، ولا تجبرني أن آمر العبيد برميك في الشارع!

قال الشيخ مستعطفا : بربك كيف سأحيا وأنا غريب هنا؟

نظر الإبن إلى السّماء وقال : الله من سيرعاك ، على الأرض آلاف مثلك أحياء ، لست وحدك في هذا الظرف!

ردّ الشيخ : كما تشاء ، لكن أعطيني بعض المال أتدبّر به شأني!

قال الإبن : لا أستطيع يا أبي ، فالأمر والنهي بيد زوجتي ، وهي تسألني عن كل درهم أنفقه!

نظر الشيخ إلى إبنه ، وقال له : ليتك سمعتني عندما قلت لك لا تتزوج إلا ممّن يعرف قيمتنا ، لقد إفترقنا ونحن أحياء ،

ودخل بيننا الغريب فلم نعد نعرف من نحن.

وساء أمرنا ، لنا الرّزق الوفير لكننا محرومون منه بسبب سوء تدبيرنا ، تذكر فضلي عليك ولا تتركني في الشّارع ،

ضعني في المزرعة فهي بعيدة من هنا ، فلي كوخ كنت أخزن فيه الحبوب سأبيت فيه ،

لن تراني لا أنت ولا زوجتك ، ولن أحتاج نفقتك فسآكل من الأرض ، وأشرب من الغدران ،

أريد فقط لحافا أتغطى به.

أجاب الإبن سآخذك إلى المزرعة ، فزوجتي لا تذهب إلى هناك ، لكن لا أقدر أن أعطيك لحافا ،

فأنا أخشى أن تسألني تلك المرأة ماذا سأفعل به!

أجاب الشّيخ: قل لها سأتصدّق به.

أجابه ستطلب منّي أن تفعل ذلك بنفسها لتنال أجرا من الله ،

ردّ الشيخ : لقد أغلقت عليك باب الدنيا والآخرة ، لقد كتب علينا أن نعيش ذليلين ، لو بقيت في البصرة لكان ذلك أهون ،

ولما وصلت إلى هذا الحال ، قال الإبن : لا فائدة في اللوم، لقد إشتريت لحافا جديدا للحصان ،

وسأحضر لك القديم ، هذا كلّ ما يمكنني فعله لك.

يتبع ..

Exit mobile version