التغافل الذكي
التغافل الذكي
عندما ترقيت إلى منصب مدير
كان من ضمن الموظفين شابٌ نشيط جدا ، وناجحٌ في عمله ،
وكان يقوم بكل ما يطلبُ منه بذكاء وسرعة ودقة ، كما أنه يحقق نسبةَ إنجازٍ عاليةً ، لكنه كان لعوباً إلى حد ما.
كان يغادرُ مقرَّ عملهِ كثيراً بدون إذن ، إجازاتُه وأذوناتُه أكثر من المُعتاد.
ذاتَ مرة تقدّم الشاب بإجازة ليسافر مع أصدقائهِ في رحلة .
لكنني رفضتها!
فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازةٍ مرضيةٍ ،
واتصل مدعياً المرض معتذراً عن الحضور
ولأنني أعرف أنه ليس مريضاً ؟!
ذهبتُ صباحاً إلى بيته وانتظرتُ هذا الشاب باكراً ثم قابلته وهو يحمل عدّة الرحلات!
كاد الموظف يذوبُ خجلاً ، ووجههُ يتقلّب بين الخجلِ والحرج .
بينتُ له أنه لم يكن قادراً على خِداعي ، وأنني لستُ بتلك السذاجة التي يظنُّها ،
وبرهنت له أنه كاذب ، وخصمتُ عنه أجرَ اليوم مضاعفاً .
لكن ماذا حصل بعد ذلك ؟
بعد أيام ، تقدَّم الشابُّ باستقالته!
من جهتي ، خسرتُ جُهده ونسبةَ الإنجاز العالية التي كان يُحققها ، ولم يعُد بالإمكان أن أرفع لإدارتي العليا نسبَ الإنجاز السابقة ،
وصرتُ بحاجة للبحث عن شاب يمكنه أن يحقِّق ذات الإنجاز وهم قليل .
كان غباءاً منقطعَ النظير ، ما الذي استفدتُه من ذلك ؟
يومها ، اكتشفت أنَّ بعض ما نخسره في حياتنا ، يكون بسبب التضييق على الآخرين ، وإغلاق منافذ الهروب.
إقرأ أيضا: أنا لست أنت خمسون قاعدة عن فن القبول
ما يجعل الطرف الآخر أمام خيارين :
- إما أن يهربَ مِنك ، وتَخسر جهده
- أو يتخذك عدواً ، فيكيدُ لك ، ويدعو عليك وسيتراجع نشاطه كنوع من الدفاع عن النفس .
وفي كلا الحالتين تكونُ خاسراً
لذلك أجدُ من المناسبِ أن تختارَ اللحظةَ ، لتسمحَ للطرفِ الآخر أن يتراجَع ، أن يهربَ بِكرامة ، فبعضُ التغافل مفيدٌ جداً.
لن تكون منتصراً فعلياً فيما لو كشفتَ المرء أمامكَ وأمام نفسه حد التعرية ، حيث لن يجد بداً من المواجهة أو الهروب .
التجمُّل و التّغافل هو ورقة التوت التي تسترنا وتحمينا.
ليس الغافل بسيد في قومه
لكن سيد قومه المتغافل
الأفضلُ دائماً أن تفتحَ لخصمكَ طريقاً يخرجُ منه كريماً فيحترمُك ، بدل أن تُحرجه فيُعادِيك.
لا يُشترط أن تفوزَ بكل المعاركِ فبعضُ الفوزِ هزيمة .
ولا تُحرق مراكبكَ أبداً ، فقد تحتاجها قريباً .
لابد أن تكسب الجميع بنوع من التغافل الذكي والتجاوز وذلك ليس غباء بل هو منتهى الذكاء والفطنة.