الجانب الرومانسي في قصة علي بن أبي طالب كان مثير للإعجاب
اشتهر سيدنا علي وسط العرب بزمانه بالحكمة والفطنة.
أغرق العالم حواليه بكلماته الحكيمة ورُؤيتهِ الثاقبة للأمور ،
لدرجة أن البعض أطلق عليه حكيم العرب ، وخُد بالك من إن الحكمة دي صفة “نادرة” جدًا أصلا.
سيد الشباب وأقوى رجال جيش النبي وقائد عسكري مُحنك ،
ولُه قداسة خاصة وسط الصحابة كوّنه “ابن عم النبيّ” ومن أول المُبايعين والمُؤمنين بدعوّة النبي.
دعني أترك كل هذه العظمة جانبًا ، وتعالى نُلقي الضوء على قصة حبه لفاطمة الزهراء.
عشق عليّ محبُوبتهِ فاطمة منذ أن كانا صغارا ، سُميّت ب”الزهراء” لأنها كانت تُشبه النبيّ ،
كُل ما وجهها يُحدث تعبيرًا “يزهر” ويتحول للون ورديّ.
لما وصلت لسن الزواج شباب يثرب بأسرها تمنُوا خِطبتها والزواج بها..
شملت أسماء المُتقدمين لها عظماء من أمثال أبي بكر الصديق ، وعمر بن الخطاب ،
لكن والدها النبي كان يرفض طلبهم ، لأمر ما في نفسه.
انتشرت الأخبار ، فعلمت بالأمر سيدة من الأنصار ، فذهبت لعلي بمجلسه ،
كانت عارفة مدى “حُب” سيدنا “عليّ” لفاطمة واستغربت جدًا ثباته وسط الأخبار دي.
انتظرت السيدة حتى ما صار علي وحيدا بمجلسه ، فاستأذنتهُ الدخُول فأذن لها.
فقالت : أما علمت أن فاطمة بنت النبي يتقدم إليها الخاطبون؟
فقال : نعم ، علمت!
فقالت : وما الذي يجعلك تنتظر؟
فسألها ، وعندي شيء أتزوج به؟
فقالت : اذهب وإن شاء الله خيرًا كان.
إقرأ أيضا: اهدنا الصراط المستقيم
جُوّة سيدنا “عليّ” رضيّ الله عنهُ ، اقتناع بإن تقدُمهِ للزواج من “فاطمة” يُعتبر نُوع من أنواع “التهوُّر” ،
أو ظنًا منهُ بأنها شكلاً من أشكال “الوقاحة” أن يتقدم لها بينما لا يمتلك شيئًا كحال الراغبين بالزواج بها.
ولكن كلام السيدة جعله يفكر قليلا ، جعل من المنطق يذُوب ، والعشق يغلُب ، فقرر أن يُقنع نفسه بأن يحاول.
يستيقظ “عليّ” ويرتدي أفضل ما عنده مِن ثياب ، يتطيّب بأفضل العطُور ،
يُمشط شعرهِ على أحسن وجه ، يخرج من دارهِ قاصدًا مجلس النبي.
وصل “عليّ” مجلس النبي ، ملأت روحه مشاعر القلق والتوتر فجلس أمام النبي ،
رآه النبيّ ففهم مقصدهِ دُون أن ينطق.
سأله النبي بلطف شديد : ما جاء بِك يا علي؟
لا يجيب ، بل يهز رأسه في خجل.
وبعد وهلة سأله النبي ثانية : ألك حاجة يا علي؟
احمرت وجنتيّه وهزّ رأسه ثانيةً ولم يُجِب.
فرفع النبيّ عنهُ الحرج وسألهِ مباشرة : لعلك جئت تطلب “فاطمة”..؟
ازداد احمرار وجهه ، وهز رأسه بأيّ نعم.
فقال النبي : وهل تملك يا “عليّ” شيئًا تقدمهُ كصداقٍ لها؟
هُنا نظر “عليّ” بأعيّن النبي فقال : لا والله ، ما أملُك شيئًا يا نبي الله.
قال النبي : تذكُر ذلك الدرع الذي هاديتك إياه؟ ماذا فعلت به؟
فقال : مازال معي ، أوينفع؟
ابتسم النبيّ فقال : نعم ، ينفع.
فذهب عليّ وأتى بهِ فقدمهُ للنبي فورا.
إقرأ أيضا: صفة السابقين إلى الخيرات
قبلهُ النبيّ ووافق على زواج “عليّ” بفاطمة ، وبارك لهُما حتى أنهُ اشترى لهُما منزلاً يُقيمان فيهِ فعاشا الإثنين به ،
حب النبيّ نفسه لفاطمة كان كبير وعظيم.
حتى أنه قال عنها “فاطِمَة بَضْعَةٌ مِنّي ، يُريبُنِي ما رابَها ، وَيُؤذِيني ما آذاهَا”.
عن فاطمة قال عليّ : أحببتُها حبا عظيما ، ووالله ما ناديتها يوما يا فاطمة ،
ولكن كنت أقول يا بنت رسول الله ، فكرمها بمقامها.
ما رأيتها يوماً إلا وذهب الهم الذي كان في قلبي ، ووالله ما أغضبتها قط ولا أبكيتها قط ولا أغضبتني يومًا ولا آذتني يوماً ،
ووالله ووالله ما رأيتها يوما إلا وقَبلت يدها.
عاشت “فاطمة” مع “عليّ” بسعادةٍ وهناءٍ شديدين ،
حتى تُوفيّ النبي أصابها حُزنًا شديدًا وغمًا عظيمًا لم تستطع أبدًا تجاوُّز تلك المحنة ، فأصابها الحُزن وتلاشت ضحكاتها وفرحها.
ظلت تتآكل مِن داخلها ، حاول عليّ أن يُخفف عنها ، دون جدوى.
فارقت الحياة بعد أبيها بنحو يُرجح لست شهُور.
أصاب عليّ حُزنًا عميقا ، وشعر مع فقدانها بفُقدان السعادة التي ملأت قلبه بجانبها.
يوم وفاتها ، غسلها وكفنها وجلس وحيدا مُنزويًا بعيدًا عن الجميع يبكي.