الحب الإكتروني الجزء الثاني
الحب الإكتروني الجزء الثاني
لم يأتي حكيم لزيارة أخته ورؤيتي قبل الزفاف إلا يوماً واحداً ، لانشغاله بالتحضيرات.
في يوم الزفاف لم أشعر بالسعادة التي سمعت عنها من اللواتي تزوَّجن ، فقد كانت أحاسيسي مجمدَّة وكأنَّي من المدعوّين ،
فلم أشعر وأنا بجانبه بنفس الشعور الذي تخيلت أني سأشعره عندما كنت بعيدة عنه ،
وكأنه لم يكن الشخص الذي كانت ترجوه روحي ، فكانت تلك الليلة من أسوأ ليالي حياتي.
في اليوم التالي أتت عائلته لزيارتنا وهم يحملون الطعام والشراب ،
وما إن مدَّ أخاه يده لمصافحتي حتى قال زوجي بضيق ، غلَّفه بمزاح : لا داعي للمصافحة.
شعرت بالضيق من كلامه ، فقلت له على انفراد : أخوك صافحني مهنئاً ، وردة فعلك لم يكن لها داعٍ.
فقال بضيق : إنَّ أخي على الرغم أنه بمنتصف العشرينات ، لكن لم تسلم فتاة منه ، فهو زير نساء ،
ومن الآن أخبرك أن تتجنبي الحديث معه ، ولا تتواجدي بالمكان الذي يتواجد به.
رمقته قائلة : يا رجل! ما دمت ترى أخيك بهذه الأخلاق لماذا تزوجت بالمنزل الذي يعيش فيه؟
قلت لك أوضاعي المادية لا تسمح.
خرجت مسرعة لأساعد زوجة عمي وابنتها في تحضير الطعام لأتجنب النقاش الزائد معه والضيق يتملك قلبي ، فقال زاهر مبتسما :
بماذا أساعدكنَّ سيداتي؟!
ردَّ زوجي باستعلاء : تحضير الطعام ونقله على المائدة إنه من اختصاص النساء ، ولا دَخلَ لنا به .ط
فاتسعت حدقتا عينيَّ من الدهشة لقوله فقلت له بضيقٍ لم أستطع إلجامه :
لم أتوقع أن يصدر هذا الكلام منك وأنت مثقف قارئ للكتب ،
ثم ألم تكن ترى بأنَّ والدك في يوم إجازته يقوم بالتحضير الغداء عوضاً عن أمك ، وهو رجل كما تعلم.
فرد قائلا : لا علاقة لي بأحد ، فأنا من مؤيدي أنَّ الرجل لا يجب أن يدخل المطبخ إلا لشرب الماء.
تناولنا الغداء بصمت ، وما إن شبع زاهر حتى أخذ طبقه وملعقته وقام بغسلهما ، أما زوجي فقد أنهى طعامه وقال :
قبل أن تغسلوا الأطباق ، قوموا بتحضير الشاي.
إقرأ أيضا: أحيانا الحاسد يصنع لك مجدا
فقلتُ له : ألن تأخذَ طبقك لتغسله كما فعل أخوك.
فرد محتدا : قلت لك لا علاقة لي بأحد ، وأنا لا أشبه أحد.
لقد كانت تفاصيلاً بسيطة لكنها كانت تمزّق روحي تدريجياً.
مضى أول أسبوع على زواجي بضيق لم أستطع تبريره لأحد ، سوى بأني اشتقت لبلدي وأهلي ،
إلى أن أتت سهرة الخميس التي كان يقضيها عمي برفقة زوجته وزاهر وحكيم وزهرة التي تأتي كل أسبوع مع زوجها وبناتها.
حينها فقط تذكرت كلام زهرة بأنَّ زاهر خفيف الظل ، فقد كان نجم السهرة ،
حيث أنه لو تكلم بأيّ كلام كنت أشعر بالبهجة ولا أريده أن يتوقف عن الحديث إطلاقاً حالي كحال بقية أفراد العائلة ،
عكس زوجي لأنه كان كلما تحدث بأي كلام لا ينتبه أيّ أحد له ،
فقد كانت طريقة كلامه وأسلوبه في الحديث المباشر مُنفِّرة لمن حوله ، عكس أخيه الذي كان كمغناطيس يجذب من حوله إليه.
مع الوقت أصبحتُ من المنجذبين والمحبين لسماع زاهر والحديث معه مما جعل زوجي ينفجر غيظا ،
ويطلب مني مراراً وتكراراً أن أتوقف عن الحديث معه ، لكني لم أكن أستمع إليه إطلاقاً ،
فقد كان الحديث مع أخيه ولروحه المرحة ينسيني إنزعاجي من طريقة زوجي في الحديث ،
حيث كنت أراه كأنه رجل آلي به عطل فني.
مضَت ثلاثة أشهر شعرت بها كأني متزوجة منذ ثلاثة سنين ،
فقد كنتُ أشعر بنفور رهيب من الحديث مع زوجي وحتى سماعه أو الجلوس معه ،
وبنفس الوقت أصبحت معتادة على وجود أخيه في المنزل ، وأصبح غيابه ليوم واحد يصيبني بالضيق ،
فقد كنت أشعر أنَّ البيت مظلم وكئيب في غيابه ،
فلم أرَ على أرض الواقع شخصاً يُكمل الكلمة عني قبل أن أنطقها ، ويسعدني سماعه سواه.
إقرأ أيضا: الحب الإلكتروني الجزء الثالث
إلى أن لفت نظري طريقة ارتداء زوجي للملابس وكأنه بنتصف الخمسينات ،
ثم نظرت لأخيه الذي يرتدي ملابساً شبابية تجعل كل من يراه يعجب بطريقة اختياره للملابس ،
بسبب ذوقه الجميل على الرغم من أنَّ ملابسه رخيصة الثمن.
خطَر ببالي فجأة أن أطلب من زوجي ارتداء الملابس على طريقة أخيه ، لعلَّ نظرتي نحوه تتغير بعض الشيء ، فانتفض بوجهي قائلا :
منذ أول مرة رأيتي أخي بها ، وأنتِ تقارنيني به ، هذا أنا وسأبقى هكذا ولستُ مجبراً على تقليد أحد.
التزمت الصمت والدموع تغمر عينيَّ ، وبعد مرور بضعة أيام وبسبب وفاة عمي اكتشفت أنَّ زوجي به عقدة نفسية ،
هي التي جعلته مشوَّهاً في عيون كل من يراه ، مما جعلني أقول في قرارة نفسي :
يا إلهي ، ماهذا الذي أعيشه! ، تزوجت رجلاً من اختياري وبكامل إرادتي ،
بعد أن اقترفتُ خطأ التعرف به عن طريق تطبيق للمحادثات ؛ ودون أن أجلس معه إطلاقاً ،
اعتقدتُ أنه يشبه روحي وبه كل صفات الرجل التي أحبها ،
ليكشف الواقع لي أنَّ أخيه هو الذي يشبه روحي وبه كل صفات الرجل التي أحبها.
يتبع ..