الحب الإلكتروني الجزء الأول
عاش عمي حياته في بلاد المغترب حيث أنه سافر للعمل فرزقه الله واستقرَّ هناك ،
وبعد أن تحسَّنَت أوضاعه تزوج من تلك البلاد وأنجب ولدين وفتاة وقام بالإهتمام بتعليمهم وتأمين مصاريف دراستهم حتى تخرجوا من الجامعة.
بعد أن تخرجت من الجامعة ، سمعتُ عمتي وجدتي تتهامسان مع أبي ، حيث أن جدتي قالت :
لماذا لا تزوج جنى من أحد أولاد أخيك ، فمهما كان لن يضيم أي منهما ابنة عمه لأنها من لحمه ودمه.
كيف ذلك يا أمي وهي لا تعرف أيَّ أحد منهما ، فأخي لم يأتي لزيارتنا مع أولاده ولا مرة واحدة في حياته ،
حتى أنه لا يتكلم معنا مكالمة هاتفية إلا كل بضعة سنوات ، وأولاده يتحدثون بضعة كلمات وبالمناسبات.
أعانه الله يا بني ، فمشاغل حياته وأولاده أخذت كل وقته ونقوده ، وكذلك أولاده مشغولون بدراستهم.
فردت عمتي : سأتحدث مع إبنة أخيك لأقترح عليها أن نزوج جنى لابن عمها الأصغر زاهر ،
كونه يجايلها بالسن فهو يكبرها بخمس سنوات ، بعد أن يتحدثان مع بعضهما وقتما يشاءان.
موافق.
لم ألقِ بالاً بكلامهم ، فقد كنت مشغولة بعملي الجديد في تدريس الأطفال.
وبعد مضي بضعة أيام ، اجتمعوا ثلاثتهم ، ثم نادتني عمتي وقالت :
جنى ، لقد تكلمت مع ابنة عمك زهرة وأخبرتها أننا نود خطبتكِ لزاهر ، لكنها قالت أنَّ زاهر يعشق فتاة ويودُّ خطبتها ،
ثم أخبرتني أنَّ ابن عمك الأكبر حكيم لا توجد أي فتاة بحياته ولم يتكلم مع أيّ فتاة على الرغم من أنه يكبر زاهر بست سنوات ،
وجميع الناس يشهدون له بحسن أخلاقه وسلوكه القويم الذي لا يشوبه شائبة ، غير أنه خريج جامعة ومثقف.
نظرت لها بدهشة كبيرة ثم قلت : وكيف سأتحدث معه وأعرف طريقة تفكيره ،
فكل الكلام الذي قلتيه لا يعني شيء لي إن لم أرتح له.
عزيزتي ، لماذا اخترعوا تطبيق المحادثات ، ستتحدثان من خلاله على مدى أشهر ، عدا عن المكالمات الصوتية ،
وذلك بعد أن نقرأ الفاتحة عن طريق مكالمة فيديو أو مقاطع تسجيل ، وإن لم ترتاحي له تنهي تواصلك معه ثم تخبرينا بذلك.
إقرأ أيضا: اليوم يوم زفافي
حينها تعجبتُ من فكرة التعارف الالكتروني ، ثم قلت : ما رأيك أبي ، وأنتي جدتي ؟!
فقالت جدتي : لن تجدي رجلاً يصونك مثل ابن عمك ، فهو الذي لن يرضى أن تحزني ولا أن تتعرضي لمكروه ،
فما أسوأ قصص الزواج من الأغراب ، غير أن عمك سيقف بجانبك دوماً وأخوة زوجكِ سيكونان إخوتكِ وزوجة عمك بمكان المرحومة أمك.
ثم أردف أبي : إن قبلتي الزواج به سيكون نعم الزوج.
بعد أن سمعت موافقة أكثر الأشخاص الذين يحبوني بصدق ، ولأني كنت على يقين أنَّ كل آرائهم لمصلحتي قلت :
موافقة .
قفزت عمتي من الفرح ثم قالت : على بركة الله.
قرأ عمي وأبي الفاتحة بمقطع صوتي ، ثم أرسلت عمتي رقمي لحكيم ، وتراسلنا على مدى أشهر ، تحادثنا بكثير من الأمور ،
فلمست بحديثه أنه مثقف ملم بجميع المواضيع الثقافية ، وأصبحتُ كلما تحدثت معه أشعر كأني أقرأ رواية تنقلني لعالمٍ آخر وأنا جالسةٌ بمكاني.
مع مرور الوقت أصبحت أشعر وكأنَّ شيئاً يربطني به ، كأنه نصفي الثاني بمكان آخر ،
فلم أصدق أنَّ في الحياة شخصاً يشبهني لهذه الدرجة وأنا لم ألتقي به ولا لمرة واحدة في حياتي ،
فقد كانت كل الأشياء التي نحبها ونكرهها في الحياة أنا وهو واحدة.
إلى أن أرسل لي أبيات شعر غزليَّة ، أردفها بكلمة أحبك جنى.
حينها حلق قلبي فرحاً وتأكدت أنَّ شعوري نحوه يطابق شعوره نحوي وأنَّ هذا هو الحب.
لم تمضِ بضعة أيام حتى قال لي : جنى ، أريد أن أقوم بإجراءات الزواج ،
وقبل ذلك أريد أن تعرفي بأنَّ سكننا سيكون بمنزل عائلتي مع أبي وأمي وأخي ،
فوضعي المادي لا يسمح لي بشراء منزل بكامل مستلزماته ، فهل توافقي على هذا الوضع؟!
إقرأ أيضا: الحب الإكتروني الجزء الثاني
فقلت له والسعادة تغمر روحي : موافقة.
فأخبر أبي أنه يريد أن يبدأ بإجراءات الزواج ، وبعد أن سمع أبي موافقتي قال له : على بركة الله.
بعد مضي ثلاث أشهر ودَّعْتُ عائلتي والسعادة تغمرني لدرجة أني لم أتأثر أني لن أراهم مرة أخرى ،
فقد كانت فرحتي بالسفر للعيش بقية حياتي مع نصفي الثاني لا تعادلها فرحة ، لدرجة أنه لن يستطيع أيُّ حزن أن يخفف من سعادتي.
استقبلني حكيم في المطار مع عمي ، وما إن رأيت حكيم للمرة الأولى على أرض الواقع حتى شعرتُ بضيق في صدري ،
لم أعلم ماهية شعوري للوهلة الأولى ، لكني رجحتُ بأنه عناء السفر.
وبعد أن ألقيت التحية على عمي ، قال لي :
جنى ، يجب أن نأخذك للمبيت في منزل ابنتي ،
فلا يجب أن تنامي بمنزل واحد مع حكيم قبل حفل زفاف ،
وبعد بضعة أيام سنحدد موعد الزفاف وندعو أقربائنا إليه ، ثم تخرجين عروساً من منزل زهرة.
دخلنا لمنزل زهرة التي أعدَّت مائدة بها ما لذَّ وطاب لاستقبالي ، ثم قالت :
ستعيشين حياتك بمنزل عائلتي بقمة السعادة وتمرحين كثيرا ، فزاهر لا يترك هماً على القلب لخفة ظله وروحه المرحة ،
لكنه الآن مسافر ، وسيأتي في الموعد المحدد لزفافكما.
وتأكدي أنَّ زاهر سينسيكي جديَّة زوجكِ المملة.
لم ألقِ لكلامها بالاً ، ولم أعرف قصدها إلا بعد الزواج.
بعد أن تناولنا الطعام واسترحت ، نظرت إلى حكيم وقلت في قرارة نفسي :
يا إلهي ، كم هناك فارق بصورته التي رأيتها على الهاتف وصورته على أرض الواقع ،
فقد كان شكله يوحي بأنه عريض المنكَبَين بجسم متناسق ، أما الواقع فهو عكس كذلك.
وبعد لحظة قلت في قرارة نفسي : لا يهم الشكل الخارجي ، طالما أنَّ عقله وأفكاره تشبهني.
يتبع ..