الحب الإلكتروني الجزء الثالث
توفي عمي بسكتة قلبية ، وعلى مدى ثلاثة أيام ، أقمنا عزاء له ، حيث قمنا باستقبال الناس في بيتنا ،
وجعلنا غرفةً لجلوس النساء وغرفة لجلوس الرجال.
جلس زوجي بمقدمة الغرفة عريض المنكبين لم يقم من مجلسه ، وهو يقول لكل شخص يعزيه بخسارة أبيه :
أعلم أنَّ مسؤولية المنزل قد أصبحت على عاتقي ، لأني أصبحت كبير البيت.
أما زاهر فقد قام بتلبية طلبات الرجال وتقديم القهوة لهم ، ولأنَّ زهرة كانت منهارة مع زوجة عمي ،
كنت أقف في المطبخ وحدي لتجهيز القهوة والطعام وتلبية طلبات النساء ،
مما جعل زاهر يقف معي في المطبخ لمساعدتي ، وفي اليوم الثالث بعد أن دخل زاهر للمطبخ وقال لي :
قومي بغسل الفناجين ، وأنا أقوم بغلي القهوة.
دخل زوجي وهو مقطّب الجبين وقال له : ألا يوجد في المنزل إمرأة تساعدها غيرك.
كادت أن تتمزق جفوني من هول الصدمة ، فقلت له بغضب لم أستطع إلجامه : عيبٌ عليكَ أن تتحدث مع أخيك هكذا.
فقال لي زاهر : لا عليكِ فأنا معتاد عليه.
ثم قال له : أيها الكبير ، زوجتك وعلى مدى ثلاثة أيام لم تسترح إلا وقت النوم ، ولم تتطوع أيُّ من النساء لمساعدتها ،
فما الذي يزعجكَ إنْ خففتُ الحمل عنها ، ولو أنك شعرتَ بها لقمت بمساعدتها.
فقال له : كأنك تقوم بتحريض زوجتي ضدي! ، دعها تموت تعباً ، ولا تتواجد بالمكان الذي تتواجد به ،
فأنا أخشى عليها منك يا زير النساء.
فقال له متعمداً إغاظته : بل تخافُ أن تُعجَب بي وتحبني بعد أن تعرف أنك إنسان لا تُطاق وينتهي حبها لك.
فقام زوجي بضربه لكمة على وجهه ، وقام زاهر برد اللكمة له ، مما جعلني أصرخ قائلة :
توقفا
فهرولت زهرة وزوجة عمي وخالهم الذي قام بإبعادهما عن بعضهما ، مما جعل زاهر يخرج من المنزل بعد أن قال لأمه :
اعذريني أماه ، فلن أعود إلى المنزل.
إقرأ أيضا: أنا مديرة مدرسة في الشرقية
جلست زوجي عمي تبكي ، فسأَلَتني زهرة عما حدث بينهما ، وبعد أن أخبرتها بكل شيء قالت لي :
جنى ، أبي ومنذ طفولة زوجكِ كان يعامله بقسوة عن زاهر ، كونه الإبن الأكبر له ،
فكان يرى بأنَّ عليه أن يكون شديداً معه كي يجعله رجلا ،
لدرجة أنه قام بإجباره على العمل منذ طفولته لكي يدفع مصاريف دراسته ،
وكان ينعته على الدوام بالأحمق والأبله وقليل الفهم وثقيل الظل ،
وكان يحب زاهر كثيرا لخفة ظله ونباهته منذ طفولته ، ويلبي له كل طلباته كأنه أميره وابنه الوحيد ،
مما جعل زوجكِ ينقم على أخيه لدرجة الكره خاصة بعد أن رأى محبة أقربائنا له وكثرة أصدقائه الذين يلتَفّون حوله كأنه مسؤولٌ مهم.
في حين هو لا يملك صديقاً واحداً ، مما جعله يحاول إثبات نفسه بقراءة الكتب والحديث عنها أمام كل من يجلس معه ،
متفاخراً بأنه قارئ مثقف ، لكنه لم يستفد من ذلك ،
مما جعله يقول على الدوام بأنه سيستمر بالدراسة كي يصل لمرحلة الدكتوراه ولو وصل للخمسين من عمره ،
وأكل خبزاً بزيتٍ وملح ، وحتى لو لم يعمل بشهادته وقام بتعليقها على الحائط.
كل ذلك فقد لكي يجعل الناس يهتمون بسماعه عندما يتحدث ، ويحبون الحديث معه.
أمضيت الليل وأنا مستيقظة على الرغم من تعبي ، فقد شعرت وكأنَّ هذا الزواج قبري وأني دفنتُ وأنا على قيد الحياة ،
ولعنت تطبيقات الدردشات التي توهمنا بمشاعر لنتفاجأ على أرض الواقع بأنه لا وجود لها ،
غير أنها تجعلنا فاقدي الوعي والمنطق ، تجاه تفاصيل حياة الشخص الذي نعتقد أننا أحببناه ،
فلو كنتُ قد رأيته على أرض الواقع وتحدثت معه ، كنتُ سأعرف تفاصيل حياته منذ الطفولة إلى وقتنا الحالي ،
وكنتُ سأعرف طريقة تفكيره المريضة ، ولم أكن سأقبل الحديث معه من الأساس.
إقرأ أيضا: السلالة المنقرضة
مضت ثلاثة أيام رأيتُ البيت فيها كأنه قبر مظلم ، حينها تأكدتُ أنَّ زاهر هو الذي ينيره ويُجَمِّلُهُ بعينيَّ ،
وفجأة خَطَرَ لي أن أسأل زوجة عمي عن الفتاة التي قالت زهرة أنه يحبها ، كوني لم أسأل عنها قط ،
فقد دُهِشتُ كيف أنها لم تأتي لتعزي أمه وأخته.
فأخبرتني بأنَّ زاهر قد انفصل عنها بالليلة التي كُتِبَ كتابي بها على حكيم ، حينها صرخ قلبي من الألم وأنا أقول :
يا إلهي ، لماذا كتبت قدري هكذا؟! ، لماذا لم تتحدث عمتي مع زهرة بعد أن انفصل زاهر عن حبيبته؟!
لماذا جعلت أخاه الذي لا يشبهني من نصيبي ، وجعلت روحي معلقة برجل ليس من نصيبي؟!
وفجأة عدتُ لرشدي قائلة : يا الله ، قلبي لم يعتد يحتمل ، ما هذا الألم الذي أعيشه ، أيعقل أني أحب أخا زوجي؟!
كانت الجملة الأخيرة كالصاعقة ضربت رأسي ، فقلت في قرارة نفسي: لن أستطيع الإستمرار بزواجي أكثر.
وفي مساء اليوم التالي ، قام زوجي بمغازلتي فانتفضتُ قائلة : أريدُ الطلاق.
فضحك ساخرا : هل أنتِ مجنونة؟!
مجنونة لأني قبلتُ الزواج من شخص لم أره على أرض الواقع.
فقال بغضب حاول إلجامه : كفي عن هذه التفاهات ، واذهبي للنوم ، من الواضح أنَّكِ قد تعبتي كثيراً في الأيام الأخيرة.
حينها صرختُ قائلة : أريدُ الطلاق ، لقد اكتشفت بأني لا أحبك ، ولن أحبكَ على الإطلاق ، أريد العودة لوطني.
ثم ذهبتُ لغرفة زوجة عمي وقلت لها : أرجوكِ دعيني أنام بغرفتكِ ، فلم أعد أستطع النوم بغرفة واحدة مع حكيم.
فاتسعت حدقتا عينيها من الدهشة ثم قالت :
ما السبب يا ابنتي! ماذا فعل لكِ ؟! هل قام بضربكِ أو شتمكِ؟!
أنا لا أحبه ، ولا أستطيع العيش مع رجل لا أحبه.
فقالت بغضب حاولت إلجامه : أصبح الزواج لعبة بأيدي هذا الجيل ، يتزوجون بضعة أشهر ويطلبون الطلاق .
فانتفضتُ من مكاني وقلتُ لها : سأنام بغرفة زاهر.
إقرأ أيضا: الحب الإلكتروني الجزء الرابع
وما إن دخلتُ لغرفة زاهر ، شعرتُ أنَّ قلبي ينقبض من الألم لغيابه عنها ،
وبلحظة تخيلته جالساً بها والإبتسامة تعلو وجهه ، فقطع زوجي خيالاتي قائلا :
أخرجي من الغرفة ، فمن المحتمل أن يأتي زاهر بأي وقت.
فقلت وأنا مقطبة الجبين : اقفل باب المنزل وإن أتى سيطرقه ، حينها سأستيقظ وأخرج لغرفة أمك.
فسحبني من يدي عنوة عني وقال : لم يكن ينقصني إلا أنت ، عليكِ أن تعتادي على زواجكِ مني ،
فلن أطلقك كوني لا أملك نقودا للزواج مرة أخرى.
فصرخت قائلة : لعنة الله عليكَ ، وعلى من كان السبب من زواجي بك.
وما إنْ همَّ بضربي حتى وقفت أمه أمامي وقالت :
لن أسمح لكَ بضربها، فمكانتها عندي كأختكَ زهرة ، وكما أني لن أرضى أن تؤذى أختك فلن أرضى بأذيتها.
فصرخ قائلا : ألم تسمعي ما قالت؟!
سمعتُ يا بني ، دعها تنام الليلة بغرفة زاهر ، فقد اتصلت به وأخبرني أنه لن يأتي الليلة للمنزل ،
وفي الغد سنتكلم جميعنا ونحاول حلَّ المشكلة.
كان نومي تلك الليلة على سرير زاهر واحتضان وسادته ،
كمسكن لألم قلبي على الرغم من دموعي التي كانت تنهمر كشلال على وجنتي.
يتبع ..