الحج آيات وذكريات
الحج آيات وذكريات
إسماعيل عليه السلام : إنه الغلام الذي جاء في صحراء جرداء ، لا زرع فيها ولا ماء ، بعد طول انتظار.
﴿ رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ ﴾ [الصافات: 100]
إنه صادقُ الوعد مع ربه : ﴿ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ﴾ [الصافات: 102]
ومع نفسه حين قدَّم المَشيئة؛ ومن ثم نجح في الإبتلاء :
﴿ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ ﴾*
[الصافات: 102]
إنه الذي رفع مع أبيه الخليل عليه السلام القواعدَ من البيت ؛ ليتعبَّد الناس لرب الناس ، إلى أن يرثَ الله الأرض ومن عليها :
﴿ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ﴾ [البقرة: 127]
وفي هذا المكان المُقفر ، وفي هذا الجو الموحش كان الدعاء الخالد لا لأنفسهما ،
بل للأجيال من بعدهما ، الدعاء بالهداية والتوبة ، وهذه أخلاق الكبار :
﴿ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ ﴾ [البقرة: 128]
ثم رجاء آخر: ﴿ رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ﴾
[البقرة: 129]
يرجون الخيرَ للأجيال من بعدهم ، ماذا كانت النتيجة؟!
غلام ليس كأي غلام ؛وإنما :
﴿ *فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ ﴾
[الصافات: 101]
وأمَّة ليست كأي أمة؛ وإنما :
﴿ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ* ﴾
[آل عمران: 110].
وأنت أيها القارئ الحبيب ، وأنا العبد الفقير إلى الله ، وغيرنا كثيرون من نتاج هذا الدعاء ، ومن لبِناتِ هذه الأمَّة ،
نحسب أنفسنا كذلك ولا نزكيها على الله ، ولله الفضل والمنة.
إقرأ أيضا: وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ
ونبي ليس كأي نبي ؛ وإنما :
﴿ وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ ﴾ [القلم: 4] ،
﴿ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ﴾ [التوبة: 128]
بل والعمل الذي كانا يَعملانه ويسلِّيان نفسيهما فيه بالدعاء والرجاء لا باللهو والغناء ، أصبح أفضلَ بقعة على وجه الأرض :
﴿ إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ ﴾ [آل عمران: 96]
وآمَنَ مكانٍ في هذه الدنيا :
﴿ وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا ﴾
[البقرة: 125]
﴿ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا ﴾ [آل عمران: 97]
إنها دعوات الكبار ، وعزائم الأبطال ، وهمم القمم ، إنها دعوات لا ترفضها السماء ، ولا يردها ربُّ السماء ؛
لأنها ليست شخصية وإنما عامة ، ليست وقتيةً ؛ وإنما مستمرة ، وليست لمصلحة بعينها وإنما لخيرَي الدنيا والآخرة.
إن إبراهيم عليه السلام وهو قمة ؛ بل أمة ﴿ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً ﴾ [النحل: 120]
يرجو الأولاد لا للعزوة ولا للمتعة ، وإنما ليسجدوا لله ويركعوا : ﴿ لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ ﴾ [إبراهيم: 37] ،
وجاء إسماعيل على نفس درب أبيه : ﴿ وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِنْدَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا ﴾ [مريم: 55]
فإذا رُزقتَ الأولادَ ، لا تجبن بهم عن طاعة ، ولا تقعد بهم عن عبادة ، ولا تدفعْ بهم إلى معصية ،
قِممُ الخير كذلك يُذْكَرون بأعمالهم ﴿ وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ ﴾ [ص: 45].
كل الناسِ لهم أيد ، ولهم أبصار ، أما في هذا الموقف فإن هؤلاء القمم لديهم ذكاء حاد ، وباعٌ طويل ،
وبصيرة ثاقبة ، قدرات هائلة في زرع الخير للناس ، وتقديم الهداية للخَلق.
ومن الخير ومن الهداية أن اللهَ كتب لك الحج ، فجاء بك إلى الحرم ، تؤدي مناسكه ، أو تستشعر روحانياته ،
أو تعيش لحظاته ، أَو تُحيي أم تَحيا حركاته وسكناته.
إن اللهَ يشرِّفهم بالإنتساب إليه أولاً “عِبَادَنَا” ، وثانيًا : بذكرهم أنهم ” أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ”.
ثم الذين من بعدهم يربطون الأرضَ بالسماء ، ويصِلون الخَلق بالخالق ، الأنبياء والمرسلون ،
والصحابة والتابعون ، والصالحون المصلحون إلى يوم الدين.
أين نحن من هذه المناسك؟ وأين نحن من هذه المحطات؟ أين نحن من هذه الشعائر وهذه المشاعر؟
هل كل مستطيع يلبِّي؟ وهل كل مُستطيع يُجيب؟ نسأل الله أن يكون!