الحطاب وملك الجان الجزء الثاني
الحطاب وملك الجان الجزء الثاني
فذهبت إلى جارتها ، وقالت لها : أريد صندوقا ، وسأعيده إليك غدا ، فأعارتها واحدا قديما ،
وهي تتساءل : ماذا سيضعون فيه ، فهم لا يملكون شيئا.
باع الحطاب الفضّة ، وأكل مع عائلته ، ثم أعاد بناء داره ، ووسّعها ، وصارت إمرأته ترتدي أفخر الملابس ،
وصبيانه يأكلون أطيب الطعام ، وكان الجار ينظر إليهم ، وقال في نفسه :
بعدما كانوا يطلبون منا رغيفا يابسا ، وباقي طعامنا ، هاهم الآن في أحسن حال ، لا بد أن أعرف سرّهم!
تلك الشاة التي تعطي اللبن والسمن جعلت مني رجلا ميسورا ، لكن ذلك لا يكفيني ،
أريد كلّ شيء يملكه جاري.
ثم طلب من زوجته أن تذهب إليه ، وتعرف ما الذي يضعه في الجرار ، وينزل به إلى المدينة كل أسبوع ،
لكن الحطاب أوصى إمرأته بأن لا تدخل جارتها إلى الدّار ، ولا تكلّمها ، ولو فقدوا المكيال سيموتون من الجوع ،
وهو لن يقدر على العودة إلى الغابة مرّة أخرى.
فوعدته بذلك ، واستعملت الجارة كلّ الوسائل لكنها لم تفلح في معرفة سر ثراء جيرانها المفاجئ الذي تحدث عنه كل أهل القرية.
وذات يوم أرادت الجارة أن ترتّب بيتها ، وتلقي كلّ الأشياء القديمة التي لا تحتاج إليها ،
وحين فتحت الصندوق الذي إستعارته زوجة الحطّاب قبل أشهر وجدت شيئا ملتصقا في أحد الشّقوق ،
ولمّا أمسكته بين أصابعها ، ونظرت إليه ، صاحت : تعال يا رجل!
لقد أخذنا اللبن والسّمن ، وتركنا الفضّة.
إندهش زوجها ، وقال : لا بدّ أن نعرف من أين جاءت هذه الفضّة التي يملأون بها الصناديق ، علينا أن نجد حيلة بسرعة.
في الصّباح رأى إبن الحطاب الصّغير يلعب مع الصّبيان ، فخرج ، وقال له إن أجبتني عن سؤالي سأملأ جيوبك بالحلوى!
أجاب الولد : سأقول لك كل شيء يا خال ، حك الرّجل رأسه ، وقال هل أحضر أبوك شيئا غير معتاد لمّا رجع من الغابة؟
إقرأ أيضا: السمكة والخاتم حكاية من التراث الشعبي في إنجلترا
أجاب الولد :لا أعرف ، لكن رأيت مكيالا من نحاس عليه نقوش غريبة ، وأبي يلفّه فى منديل من الحرير ،
ويخفيه تحت سريره.
إبتهج الرجل ، وأعطى الولد ما وعده به ، ثم رجع إلى داره ، وجلس يفكر كيف يسرق مكيال الفضّة ، دون أن يحسّ أحد.
ذهب الرّجل إلى القاضي ، وأخبره أن جاره وجد كنزا ، وبيت المال أحقّ به ،
لكن القاضي قال أن الأمر من إختصاص الوالي ، فسافر إليه ، ووصف له ثراء جاره الذي كان حطابا فقيرا ،
فرك الوالي يديه بسرور ، وقال له : حسنا فعلت ، سأنقل الفضّة إلى قصري وأملأ الخزائن ،
والآن أريد مكافأتك قل لي ماذا تريد.
أجاب الرّجل أريد فقط إسترجاع مكيال أخذه مني جاري ، فأنا أحتاج إليه في عملي ، أما المال فلا ينقصني.
قال الوالي : حسنا ، سنبحث عن مكيالك ، ونجيئك به إلى دارك ، والآن دلّني على دار جارك!
بعد ساعات حلّ ركب الوالي في الحيّ ، وأخرج رجاله الحطاب المسكين وعلّقوه في شجرة ،
وهددوه بالضرب إن لم يعطيهم كلّ ما عنده من الفضّة ، فدلهم على الصناديق ولمّا فتحوها أمام الوالي تعجّب من كثرة القطع الفضية ، وصفاء لونها ،
فاشتد طمعه ، وقال له : أخبرني أين وجدتها ، وسأطلق سراحك!
أجاب الحطاب: لقد وجدت الفضّة في مغارة لما كنت أقطع الشّجر ، ولم يعد فيها شيء الآن.
ردّ الولي : أنت تكذب ، فلقد علمت أنّك تنزل إلى المدينة كلّ أسبوع محمّلا بالصّناديق ،
هذا يعني أنّ لك الكثير منها ، أليس كذلك؟
وصاح في رجاله : هيا إضربوه حتى يتكلم ، لكن جاءت زوجته ، وارتمت على أقدام الوالي ، وصاحت : لا تفعل ،
سأقول لك عن كل شيء.
وروت له حكاية المكيال الذي يحوّل الحصى إلى فضّة.
إقرأ أيضا: الحطاب وملك الجان الجزء الثالث
ابتسم الوالي ، وقال الآن فهمت لماذا وشى ذلك الرّجل بجاره ، يا له من شخص لئيم.
لمّا هم الوالي بالرّكوب ، جاءه الرّجل ، وقال : لقد نسيت وعدك يا مولاي!
لكن الوالي ردّ عليه بغلظة : أغرب عن وجهي ، واحمد الله أني لم أجلدك على الكذب والتحيّل ،
ثمّ إنّ ما فعلته بجارك لا يروق لي ، هيا ابتعد أيها الحقير.
رجع الرجل إلى داره ، وهو لا يطيق نفسه من الخجل ، وندم على طمعه ،
ولما رأته زوجته عاتبته وقالت لقد كان تدبيرك سيئا ، فمن يأخذ الفضّة سيصل عاجلا أو آجلا إلى المكيال.
المرة القادمة أترك الأمر لي فجارك وراءه كثير من الأسرار ، ولن يبطئ علينا كثيرا حتى يجيئنا بحكاية جديدة ،
وسأكون أنا في إنتظاره.
أمّا الحطاب فباع الحمير والصناديق ، وبعد مدة لم يعد له شيء ليأكل ،
فرجع إلى الغابة واختار شجرة كبيرة ، ولما رفع الفأس جاءه الشّيخ ، وقد إحمرّت عيناه من الغضب ،
وقال : ويحك ألم يكفيك المكيال حتى رجعت إلينا لتقلق راحتنا؟ لا بد من عقابك؟
لكن الحطاب أجهش بالبكاء ، وقص عليه ما حذث ، فربّت الشيخ على كتفيه ،
وقال إمرأتك تحبّك ، ولقد أحسنت صنعا ، هذه المرة سأعطيك شيئا لا يلفت الإنتباه ،
ولن تحتاج إلى جرار وصناديق ، ومد إليه صحفة من الخشب ، وقال :
ضعها في حديقتك ، وفي الصّباح لمّا تسقط فيه قطرات الندى ، ستتحوّل إلى قطع من الألماس ،
إسمع جيّدا إنّها المرّة الأخيرة التي أعطيك فيها شيئا ترتزق منه ، بعد ذلك عليك بتدبير حالك بعيدا عنا ، هل فهمت؟
طأطئ الحطاب رأسه ، وقال : المرة القادمة سأبيع داري ، وأبتعد عن هذه القرية ،
فلا خير في مجاورة شخص لئيم مثل جاري ، ثم رجع وقصّ على إمرأته ما حدث.
يتبع ..