الخطاب الثلاثة الجزء الثاني

الخطاب الثلاثة الجزء الثاني

فنظر النبيل الذي وجد المنظار من خلاله ودهش وفزع كثيراً إذ رأى ابنة الملك ترقد
مريضة ، تكاد تشرف على الموت.

فأخبر بذلك صديقيه وغريميه ، فنزل الخبر عليهما كالصاعقة إلى أن تذكر الذي وجد المرهم ذا التأثير العجيب مرهمه فجأة وصاح :

«أنا واثق من أنني أقدر على
شفائها ، إذا ما وصلت القصر بالسرعة الكافية!

ولدى سماع هذا ، صاح النبيل الذي وجد البساط العجيب :

فلنجلس على بساطي ، وسوف يطير بنا في الحال إلى قصر الملك!

عندئذ ركب النبلاء الثلاثة البساط ، الذي ارتفع في الهواء رأسا ، وحملهم مباشرة إلى قصر الملك.

استقبلهم الملك في الحال لكنه قال ، والحزن يعصر قلبه :

إنني لآسف لكم : لكل أسفاركم التي كانت عبثاً ، ابنتي تشرف على الموت ، ولا تستطيع أن تتزوج أياً منكم!

لكن النبيل الذي لديه المرهم العجيب أجاب ، قائلاً : لا تخف يا سيدي ، لن تموت الأميرة!

وحين سُمح له أن يدخل الجناح حيث ترقد مريضة ، وضع المرهم لكي يمكنها أن تشمه ،

وما هي إلا لحظات حتى انتعشت الأميرة ، وحين دهنت النساء القائمات على خدمتها بشرتها بقليل من المرهم شفيت بسرعة ،

حتى إنها عادت خلال بضعة أيام أفضل مما كانت قبل أن تمرض.

ومن ثم صار خلاف شديد نشب عندئذ بين النبلاء الثلاثة :

فأكد الذي لديه المرهم أن الأميرة كانت ستموت لو لم يجد المرهم ، ولذلك لا يمكن أن تتزوج من أحد آخر.

وأعلن الذي لديه المنظار أنه لو لم يجد المنظار العجيب لما علموا قط أن الأميرة تحتضر ،

ولما تمكن صديقه من جلب المرهم لمداواتها.

إقرأ أيضا: قصة رجل البادية وزوجته الثانية

أما النبيل الثالث فبرهن أنه لو لم يجد البساط العجيب ، لما كان بمقدور صاحب المرهم أو
صاحب المنظار أن يساعدا الأميرة ،

لأنه ما كان لهما أن يقطعا تلك المسافة العظيمة في الوقت اللازم لإنقاذها.

وحين بلغت أنباء هذا الخلاف أسماع الملك ، دعا إليه النبلاء الثلاثة الشباب ، وقال
لهم :

أيها الأسياد ، ما أراه مما قلتموه ، هو أنني لا أستطيع أن أعطي ابنتي أياً منكم ، وأظل عادلاً ؛

ولذلك أرجوكم أن تتخلوا جميعاً عن فكرة الزواج منها ، وأن تظلوا أصدقاء كما كنتم قبل
أن تصبحوا غرماء.

رأى النبلاء الشباب الثلاثة أن الملك قد عدل في قراره فتركوا بلدهم جميعا ، ومضوا إلى صحراء بعيدة ليعيشوا كما يعيش
النساك.

وأعطى الملك الأميرة إلى نبيل آخر من نبلائه البارزين ، ومرت سنوات كثيرة على زواج الأميرة قبل أن يرسل والدها زوجها إلى بلاد بعيدة كان الملك يحاربها.

فأخذ النبيل معه زوجته الأميرة ، لأنه لم يكن يعلم كم سيضطر للبقاء في الخارج.

وصادف عندئذ أن هبت عاصفة عنيفة بينما كان القارب ، الذي فيه الأميرة وزوجها يدنو من ساحل غريب ،

وفي ذروة العاصفة العظيمة ارتطم القارب ببعض الصخور ، وتحطم في الحال ،

وهلك جميع من كانوا على القارب وغرقوا
في البحر ، ما عدا الأميرة التي تمسكت بالقارب بأشد ما تستطيع ،

فحملتها الرياح والمد إلى الشاطئ.

وهناك رأت ما بدا بلداً غير مأهول ، وحين وجدت كهفاً صغيراً في صخرة ،

عاشت فيه وحدها ثلاث سنوات ، تقتات على أعشاب البرية وثمارها.

وكانت تبحث كل يوم عن طريقة للخروج من الغابة المحيطة بكهفها ، ولكن من دون جدوى.

إقرأ أيضا: قصة الحمو الموت الجزء الأول

غير أنها ذات يوم ، وكانت ابتعدت أكثر من المعتاد عن الكهف الذي تعيش فيه ،

وقعت فجأة على كهف آخر ، وأدهشها كثيراً أن له باباً صغيراً فحاولت مرة بعد مرة أن تفتح ذلك الباب ،

وهي تفكر بأن تمضي الليلة في الكهف ، لكن محاولاتها جميعاً ذهبت سدی ، فقد كان موصداً بقوة.

ةمن ثم خرج صوت خفيض صاح في النهاية
من داخل الكهف : «من في الباب؟».

فدهشت الأميرة كثيراً حتى إنها لم تستطع لوهلة أن ترد ؛ لكنها ، حين تمالكت نفسها بعض الشيء ، قالت : افتح لي الباب!

فانفتح الباب من الداخل في الحال ، ورأت ، والرعب يتملكها ، شيخاً بلحية رمادية كثيفة بلغت أسفل خصره وشعر طويل بلغ كتفيه ،

وما أفزع الأميرة مزيداً من الفزع هو أن تجد رجلاً يعيش هنا على الجزيرة ذاتها التي عاشت عليها سنوات ثلاث ،

من دون أن تقع عيناها على أي شخص.

نظر الناسك والأميرة واحدهما إلى الآخر طويلاً بإمعان من دون أن ينبسا ببنت شفة ،

لكن الشيخ قال في النهاية : قولي لي ،
هل أنت ملاك أم ابنة هذه الدنيا؟

فأجابت الأميرة : «أيها الشيخ ، دعني أرتح قليلاً ، من ثم أخبرك بكل شيء عني ، وعما جاء بي إلى هنا!

فأحضر الناسك بعض الإجاص البري ، وحين تناولت منه الأميرة ، راحت تخبره من تكون ، وكيف جاءت إلى تلك الجزيرة.

وقالت : أنا ابنة ملك ، وذات مرة ، منذ سنوات كثيرة ، طلب ثلاثة نبلاء شباب من حاشية أبي يدي للزواج ،

ولأن الملك كان يشعر بالقدر ذاته
من العاطفة تجاه كل منهم ، أرسلهم إلى بلدان بعيدة ،

ووعدهم أن يحسم بينهم حين يعودون.

وبقي النبلاء الثلاثة فترة طويلة بعيداً
عن الوطن ، وبينما كانوا في مكان ما خارج البلاد ، ألم بي مرض خطير ،

وكنت على شفا الموت ، حين عادوا جميعاً فجأة ، وقد جلب أحدهم مرهماً عجيباً شفاني في الحال ،

أما الآخران فقد جلب كل منهما شيئاً عجيباً بالمثل ؛ بساطاً يطير بكل من يجلس
عليه ،

ومنظاراً يمكن للمرء أن يرى بواسطته كل أحد وكل شيء في الدنيا ، بما في ذلك الرمل في قعر البحر.

إقرأ أيضا: الوصية العجيبة الجزء الأول

وكانت الأميرة وصلت إلى هذا الحدّ حكايتها حين قاطعها الناسك فجأة ، قائلاً : كل ما جرى بعد ذلك أعلمه مثلك.

انظري إلي يا ابنتي! إنني واحد من أولئك النبلاء الذين سعوا إلى الظفر بيدك ، وها هو المنظار العجيب.

وأخرج الناسك الأداة من كوة في جانب كهفه قبل أن يواصل ، قائلا :

«لقد جاء صديقي وغريمي معي إلى هذه الجزيرة ، لكنا افترقنا في الحال ، ولم نلتق منذ ذلك الحين ،

ولا أعلم إن كانا حيين أم ميتين ،
لكني سأنظر أين هما.

ثم نظر الناسك في المنظار ، ورأى أن النبيلين الآخرين يعيشان في كهفين ككهفه ، في جزأين مختلفين من الجزيرة ذاتها.

وإذ رأى ذلك ، أخذ الأميرة من يدها وقادها إلى أن وجد الناسكين الآخرين.

وحين التم شمل الجميع من جديد ، قضت الأميرة مغامراتها منذ أن غرقت السفينة التي كان زوجها على متنها ، ونجت وحدها.

سر النبلاء الثلاثة لرؤيتها حية من جديد ، لكنهم قرروا في الحال أن عليهم أن يعيدوها إلى أبيها الملك.

عندئذ قدموا للأميرة هدية كلاً من المنظار العجيب ، والمرهم العجيب ، ووضعوها على البساط العجيب ،

الذي طار بها وبكنوزها بسرعة وسلامة إلى قصر والدها.

أما النبلاء الثلاثة ، فقد بقوا على الجزيرة ، يعيشون كالنساك ، لا يزور أحدهم الآخر إلا
من حين إلى حين ،

حتى إن السنين لم تعد تبدو مملة بالنسبة لهم ،
ذلك أن لديهم كثيراً من المغامرات التي يقصها واحدهم على مسامع الآخر.

سر الملك كثيراً لعودة ابنته الوحيدة سالمة ، وعاشت الأميرة مع والدها سنوات كثيرة ؛

غير أنه لا الملك ولا ابنته استطاعا أن ينسيا
تماماً أولئك الأصدقاء النبلاء الثلاثة الذين عاشوا من أجلها ،

مثل النساك على صحراء موحشة في أرض نائية.

Exit mobile version