الدين النصيحة
قال رسول الله صل الله عليه وسلم : ” الدِّينُ النَّصِيحَةُ. قُلْنا : لِمَنْ؟
قالَ : ” لِلَّهِ ولِكِتابِهِ ولِرَسولِهِ ولأَئِمَّةِ المُسْلِمِينَ وعامَّتِهِمْ “.
التَّناصُحُ بين المسلمين من مَعالِم الدِّينِ الحَنيفِ ، ومِن حُسنِ التَّعامُلِ بين النَّاسِ أن يَتناصَحوا فيما بينهم بالمعروفِ ،
وبغيرِ أن يُحدِثوا مُنكَرًا أكبَرَ ممَّا يَنصَحون به ، مع إخلاصِ المحبَّةِ للمَنصوحِ ، ومَعرفةِ حَقِّه لإسلامِه ،
ومَعرفةِ حقِّه لِمَوقعِه في المُجتمعِ.
وهذا الحديثُ يُوضِّحُ مَعالِمَ النصح ، ولِمَن يكونُ وكيف يكون ؛ فيُخبِرُ النَّبيُّ صل اللهُ عليه وسلَّم أنَّ النَّصيحةَ هي عِمادُ الدِّينِ وجَوهرُه ،
ووَسيلةُ ظُهورِه وانتشارِه ، والنَّصيحةُ : هي تَحرِّي قولٍ أو فِعلٍ فيه صَلاحٌ لصاحبِه ، أو تَحرِّي إخلاصِ الوُدِّ له ،
والحاصلُ : أنَّ النَّصيحةَ هي إرادةُ الخيرِ للمنصوحِ له ، وهي لفظٌ جامعٌ لمَعانٍ شَتَّى ،
ويَظهَرُ ذلك في النُّصحِ والتَّناصُحِ بين المسلمين.
فسألَ الصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عَنهُم رَسولَ اللهِ صل اللهُ عليه وسلَّم : لِمَن تكونُ النَّصيحةُ ولِمَن تُوجَّه؟
فقال صل اللهُ عليه وسلَّم : «للهِ ، ولكِتابِه ، ولرَسولِه ، ولِأئمَّةِ المسلمين ، وعامِّتِهم» ،
والنَّصيحةُ لله هي التعظيمُ لأمرِه ، والشَّفقةُ على خلقِه ، وتكون بالدَّعوةِ إلى الإيمانِ به ،
ونَفيِ الشِّركِ وجَميعِ النَّقائصِ عنه ، وإخلاصِ العبادةِ كلِّها له سُبحانه.
والنَّصيحةُ لكِتابِه سُبحانَه وتَعالَى تَكونُ بالإيمانِ بأنَّه كَلامُ اللهِ تَعالَى ، مع شِدَّةِ حُبِّه ، وتَعظيمِ قدره ،
وتِلاوَتِه حَقَّ تِلاوتِه ، والذَّبِّ عن تَأويلِ المُحَرِّفين له ، والتَّصديقِ بما فيه ، والِاعتِبارِ بمَواعِظِه ،
والتَّفَكُّرِ في عَجائبِه ، والعَمَلِ بمُحكَمِه ، والتَّسليمِ لمُتَشابِهه ، ونَشرِ عُلومِه ، والدُّعاءِ إليه.
والنَّصيحةُ للرَّسولِ صل الله عليه وسلَّم تكونُ باتِّباعِه وتَصديقِه في كلِّ ما جاء به ، وتَنفيدِ أوامرِه ،
والانتهاءِ عمَّا نَهى عنه ، ومُراعاةِ هَديِه وسُنَّتِه ، ومُعاداةِ مَن عاداه ، ومُوالاةِ مَن والاه ، وإعظامِ حَقِّه ،
وتَوقيرِه ، وبَثِّ دَعوَتِه ، ونَشرِ شَريعَتِه ، ونَفيِ التُّهمةِ عنها.
إقرأ أيضا: آيات فك السحر من القرآن الكريم
والنَّصيحةُ لأئمَّةِ المسلمين تكونُ بمُعاونتِهم على الحَقِّ ، وطاعتِهم في المَعروفِ ،
وتَنبيهِهم وتَذكيرِهم برِفقٍ ولُطفٍ بأنسبِ الطُّرقِ على ما غَفَلوا عنه ، مع إعانتِهم في إصلاحِ النَّاس ،
وعدَمِ الخروجِ ، إلَّا أن يُرَى مِنهم كُفرٌ بواحٌ عِندنا فيه منَ اللهِ تَعالَى بُرهانٌ ، وهذا مَشروطٌ بالقُدرةِ وعَدمِ حُصولِ مَفسدةٍ أكبَرَ.
وقد يَشمَلُ المرادُ بأئمَّةِ المُسلمين : عُلَماءُ الدِّينِ ، فمِن نَصيحَتِهم : قَبولُ ما رَوَوهُ ، وإحسانُ الظَّنِّ بهم.
والنَّصيحةُ لعامَّةِ المسلمين تكونُ بتَعريفِهم بأوامرِ اللهِ ورَسولِه وبشَرائعِ الدِّين ، وبالعملِ على ما فيه نَفعُهم وصَلاحُهم ،
وإبعادِ الضَّررِ عنهم ، وأمرِهِم بالمَعروفِ ، ونَهيِهِم عنِ المُنكَرِ برِفقٍ وإخلاصٍ ، والشَّفَقةِ عَليهِم ،
وتَوقيرِ صَغيرِهم ، وتَخَوُّلِهم بالمَوعِظةِ الحَسَنةِ ، وتَركِ غِشِّهِم وحَسَدِهم ، وأن يُحِبَّ لهم ما يُحِبُّ لنَفسِه منَ الخَيرِ ،
ويَكرَه لهم ما يَكرَه لنَفسِه منَ المَكروهِ ، والذَّبِّ عن أموالِهِم وأعراضِهِم ، وغَيرِ ذلك ممَّا فيه صَلاحُ النَّاسِ في دِينِهم ودُنياهم.
وفي الحديث : بَيانُ أنَّ جَوهرَ الدِّينِ يَظهَرُ في التَّناصُحِ بين المسلمين بالمعروفِ.
وفيه : الحثُّ على النُّصحِ لكافَّةِ المسلمين بكلِّ مُستوياتِهم ، بَدأً من رأسِ الدَّولةِ حتى عامَّةِ النَّاسِ.