قصص منوعة

الرسالة مشفرة

الرسالة مشفرة

أراد أحد القادة المسلمين قيل أنه سيف الدولة الحمداني أن يتلصص على أحوال جيش الروم ليطلع على مدى جاهزيته للحرب.

فبعث جاسوسا فصيحا في اللغة العربية كي يتنصت عليهم خُلسَة لمعرفة ما خفي من تفاصيلهم.

خرج الجاسوس لتنفيذ ما كُلِّف به ، ولكنه سرعان ما وقع أسيرا في قبضتهم ،

بعدما إنقضوا عليه وكشفوا سره وإلمامه بأدق المعلومات والتفاصيل عنهم.

ولما علموا أنه جاسوس المسلمين أرادوا التنكيل به ، بيد أن أحد قادتهم أثبطهم عن عزمهم ،

وأوصاهم بأن يُرغموه على تحرير رقعة لمن أرسله ؛ يخبره فيها عن مدى وهن العدو ،

ويغريه بالمضي في الغزو قُدُماً لتنطلي الحيلة على المسلمين ويسهل الإيقاع بهم.

وبالفعل قد ساندوا فكرته ، فأرغموا الرسول على تدوين الرقعة ، فكتب إلى قائده ما يلي :

أما بعد ، فقد أحطت علماً بالقوم وأصبحت مستريحاً من السعي في تعرف أحوالهم ، وإني قد إستَضعفتُهم بالنسبة إليكم ،

وقد كنت أعهد من أخلاق الملك المهلة في الأمور ، والنظر في العاقبة ، ولكن ليس هذا وقت النظر في العاقبة ،

فقد تحققت أنكم الفئة الغالبة بإذن الله ، وقد رأيت من أحوال القوم ما يطيب به قلب الملك ،

ثم ختم الرسالة قائلا : نصحت فدع ريبك ودع مهلك ، والسلام.

فلما إنتهى الكتاب إلى قائد المسلمين طالعه على أتباعه ، فألهبت قلوبهم ، وحَرَّضت عزائمهم على الخروج ،

غير أنه عندما خلا بحاشيته من النبلاء وأهل الرأي ، لم يُخفِ قلقه ، إذ قال :

أريد أن تتأملوا هذه الرقعة مليا ، فإني أوجست منها ريبة ، وإني غير سائر حتى أنظر في أمرها.

فقال بعضهم : ما الذي راب قائدنا من الرقعة؟

أجاب : إن الذي بعثته من الرجال هو من ذَوِي حَصَافة الرأي ، وقد أنكرت ظاهر لفظه ، فتأملت فحواه ،

فوجدت في باطنه خلاف ما يوهم الظاهر ، من ذلك قوله :

(أصبحت مستريحا من السعي) ، وكأنه يلمح لنا بأنهم أمسَكوا به وحبسوه ، وقوله :

1 3 4 10 1 3 4 10

إستضعفتُهم بالنسبة إليكم ، أي أنهم ضِعفُ عددنا لكثرتهم.

إقرأ أيضا: قصة عمر بن عبد العزيز والشمعة

وقوله : إنكم الفئة الغالبة بإذن الله ، فأغلب الظن أنه يشير إلى قوله تعالى:

{كَم مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَت فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذنِ اللَّه}. [البقرة: 249].

أي أننا الفئة القليلة.

أما قوله : (رأيت من أحوال القوم ما يطيب به قلب الملك) ،

فإني تأملت ما بعده ، فوجدت أنه يوحي بالقلب إلى قلب الجملة ، لأن الجملة الآتية مما يوهم ذلك ؛

وهي قوله : نصحت فدع ريبك ودع مهلك ، فإن عكسناها باتت تحذيرا لنا :

كلهم عدو كبير ، عُد فتحصن.

وهكذا فطن القائد المسلم بأن الرقعة إنذار للمسلمين ، فتأهَّب للرد ، واحترز لتفادي ما دُبِّر له من دسائس.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?