الشاب المقطوع اليد
كان في قديم الزمان تاجر يتردد في تجارته على إحدى المدن ، ويبيت في أحد الفنادق ، ولما كان حديثه ممتعا ، كان يجتمع حوله نزلاء الفندق وعماله ،
فيروي لهم من حكاياته الجميلة.
وفي إحدى الليالي حكى لهم قصة غريبة حصلت معه ،
قال : أنا ابن تاجر مصري ، ولما أصبحت شابا تسلمت العمل مكانه.
ذات يوم جاءني شاب أنيق الثياب ومعه قليل من السمسم ، عرضه عليّ لأشتري منه ، واتفقنا على السعر ،
واشتريت كل ما عنده بخمسة آلاف درهم ، ولكنه لم يقبض الثمن، وغاب وعاد بعد شهر.
فدعوته لتناول الغداء ، فاعتذر لي ولم يأخذ الدراهم ، وكرر هذا ثلاث مرات ،
وفي المرة الرابعة غاب سنة ، ولما دعوته قبل دعوتي لتناول الطعام في بيتي ،
بدأ يتناول الطعام بيده الشمال ، فدهشت لذلك وسألته عن السبب ، فأراني يده اليمنى فإذا هي مقطوعة الزند بلا كف.
وسألته عن سبب قطعها فقال : لقد جئت بتجارة من بغداد إلى القاهرة ، وقضيت في مصر أسابيع أستمتع بجمال مصر وآثارها العريقة.
وكنت يوماً عند أحد التجار ، فدخلت عليه إمرأة جميلة تشتري قطعة من القماش ، فطلب التاجر الثمن سلفاً فرفضت وخرجت فورا ،
فلحقتها وأعطيتها الثمن على أن تحضره إلي في الأسبوع القادم ، أو تقبله هدية.
فأخذت القماش وشكرتني ، وانشغل بالي بالتفكير فيها طول الليل.
وفي اليوم المحدد أسرعت إلى حانوت التاجر ، فأقبلت وسلمتني ثمن القماش ودعتني لزيارتها في تلك الليلة ،
وسألت التاجر عنها فأخبرني أنها بنت أمير ، مات وترك لها مالاً وفيراً.
ولما ذهبت لزيارتها في قصرها ، أدخلني الخادم قاعة فخمة ذات سبعة أبواب ، فجلست أتطلع مبهورا ،
مرة في السقف المزين بالطلاء الذهبي ، ومرة بالجدران المغطاة بأجمل اللوحات ،
وتارة أخرى بحوض محاط بأربع حيات وأربعة طيور من الذهب ينصب الماء من أفواهها.
إقرأ أيضا: من عجائب قصص العدالة الإلهية قصة مُنَوَّر خانم
جاءت الصبية الجميلة ودعتني إلى العشاء ، وتحادثنا ، وفي نهاية السهرة اعترفنا بحبنا واتفقنا على الزواج.
فطلبت القاضي والشهود وقالت : اشهدوا أن مهري خمسون ديناراً كل يوم ، فوافقت ، وتم الزواج.
وكنت أعطيها كل يوم خمسين ديناراً ، حتى فقدت كل ما أملك ولم يعد معي ما أدفعه لها.
وبينما كنت أمشي في السوق أفكر في الأمر ، زين لي الشيطان أن أسرق جنديا مر بجانبي وكان معه كيس مليء بالذهب ،
فضربني الجندي على رأسي فوقفت وتجمع الناس ليعرفوا الخبر ،
وصادف مرور الوالي ، فأخبروه أني لص ، ولما فتشني وجد الكيس في جيبي ، فقادني إلى مقره وأمر بقطع يدي.
حاولت الاعتذار ووعدت بالتوبة ولكنه لم يسامحني ، وقطعت يدي.
وعدت إلى البيت بعد لفها ، ولم أبح بالسر لزوجتي ، لكنها عرفت أن يدي مقطوعة وسألتني عن السبب ،
فأخبرتها أني سرقت الجندي بسببها.
فأخذتني إلى خزانة فتحتها فوجدت فيها المال الذي أعطيته لها ، وأعطتني ورقة مؤرخة في اليوم الثاني لزواجنا ،
وفيها وهبتني كل ما تملك من مال وعقار.
وبكت لأنها عرفت أني بذلت يدي في محبتها ، ومن شدة حزنها مرضت ولم ينجح الأطباء في شفائها ، وماتت بعد فترة.
ثم دعاني الشاب إلى مرافقته في تجارة كبيرة إلى بلاده ، فأتيت معه ، وعاوده الحزن واشتد عليه الألم والمرض ، ومات.
وبقيت هنا لأكون قريباً من قبره أزوره كل يوم وأضع على قبره باقة من الزهور.