قصص منوعة

الصبي الذي صار إماما

الصبي الذي صار إماما

يقول صاحب القصة ذهبت إلى المسجد لأصلي العصر وعندما انتهت الصلاة ذهبت إلى ركن في المسجد لأردد أذكار المساء ،

وضعت هاتفي أمامي وأخذت أقرأ منه ، وقعت عيني على طفل في عمر العشر سنوات ، يدخل من باب المسجد ويلتفت يمينا وشمالا.

ثم جاء إليّ وقال بصوت يرتعد ، هل جاء الشيخ ؟!

قلت أي شيخ ؟
قال الشيخ الذي يُحفظ الأطفال القرآن.

لم أكن أعلم أنه يوجد مُعلم هنا ، فهمست له وأنا أبتسم لأنتزع الخوف الذي يسكن وجهه :
لا لم يأتي بعد ، إجلس بجانبي.

جلس الطفل ، وفتح مُصحفهُ وأخذ يُقلب في صفحاته ثم قال :

يا عمي ، هل لك أن تُقرأني مرة أو أكثر حتى أحفظ السورة جيدا ،

فوالدي يئس من قله تركيزي وضعف حيلتي ، ودائمًا يشتكي من ذلك حتى أصبحت أستحي أن أطلب منه أن يُحفظّني القُرآن.

وعندما أذهب إلى شيخي واخطئ في التلاوة يغضب مني.

إبتسمت للطفل وأخذت منه المصحف وهمست له :

إقترب يا بني وبدأت أُرتل وهو يرتل خلفي ،
وبعد ربع ساعة طلبت منهُ أن يُسَمِع ذلك بمفرده فلم يستطع ،

تذكرت شيخي عندما قال لي ذات يومٍ : إذا وجدت صعوبة في الحفظ فافهم الآيات أولًا ، ثم حاول الحفظ ثانية.

فحفظ الآيات بمثابة قفل لباب ضخم يفصل بينك وبين الجنة.

نظرت إلى الطفل ثانية وهو يضغط على إصبعه من الخجل فتبسمت وهمست له :

دعك من الحفظ يا فتى ، هل تعرف ماذا تعني هذه الآيات وماذا يقصد بها الله!

أخذت أشرح للفتى الآيات حتى انتهيت من الشرح ،

ورددت السورة مرتين وهو يردد خلفي
ثم طلبت منه أن يقولها بمفرده ،

فقال بعض الآيات وعندما يشق عليه قول آية أو لا يتذكرها ، يبتسم ويقول لي : هل أخبرك بقصتها؟

وبعد عدة محاولات حفظ الطفل السورة ، حفظها كحفظه لسورة الإخلاص.

1 3 4 10 1 3 4 10

إقرأ أيضا: جبر خواطر

جاء الشيخ وجاء الأطفال فاستأذن الطفل مني ليذهب إليه ، فقلت له يا فتى هل أخبرك بشيء تضعه نصب عينيك؟

إبتسم وقال لي أجل.

مسكت يّد الطفل وقبلتها ثم قُلت : سيأتي يومًا يُقال لك : يا فلان هلُمَ ، فتذهب ، فتسمع القرآن.

ويُطلب منك أن تُرتل ، والله وملائكتهُ سيستمعون إليك.

ألا تشتاق لترتل أمام الله ويقول لك رتل سورة كذا!

ثم ربت على كتفه وهمست له بعبارات وددتُ لو قالها أحد لي منذ الصغر ،

أنت الآن تُعدُ وتُجهز لتُرتل أمام الله فلا تمل ولا تكل ولا تيأس ، لا تشتكي من ضعف حيلتك.

ستكبر وتكون حاملا لكتاب الله وستكون مميزًا في الدنيا عندما تكون إماما بالناس ، يرتعد صوتك خشوعًا أثناء تلاوتك.

وستجد نفسك في الآخرة مميزًا ومكرمًا أمام السفرة الكرام البررة ،

ووالله ليكرمن الله أهل القرآن ، فالقرآن كلامه ، وما أحب الله أحدا كحبه لأهل القرآن.

هنيئًا لك زهرة شبابك التي نشأت في ظل آيات الله ، وقبّلت رأسه ثم قلت له :

الآن إذهب إلى شيخك ورتل وكأنك تُرتل في ظل عرش الرحمن والله يستمع إليك ، أنا أثق أنك تستطيع .

ذهب الطفلُ إلى شيخه ، وكنت آراه كل يوم وأُحَفِظّه في المسجد حتى يأتي شيخه ، وبعد شهرين ودعته ،

لإنني إنتقلت إلى سكن أخر ، ولم أره منذ هذا اليوم وعلمت بعدها أن شيخه أيضًا إنتقل ليُحفظ في مسجد أخر.

وبعد سبع سنوات خرجت من عملي وركبت السيارة فوقف السائق أمام مسجد لنصلي المغرب ،

دخلت المسجد وذهبت لأصلي حتى رأيت شابا وجهه كقطعة من القمر يردد :

( سَوُّوا صُفُوفَكُمْ ، فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصُّفُوفِ مِنْ إِقَامَةِ الصَّلاةِ)

إقرأ أيضا: يتبول في ثيابها

كانت ملامح الشاب ملامح أعرفها جيدًا لكنني لا أتذكر أين رأيته ، كان صوته كصوت الكروان.

لو كنا خارج الصلاة لطلبت منه أن يكثر في التلاوة لأسمعه فتلاوته كانت بمثابة الدواء إلى قلبي ،

فاكتفيت أن أذكر إسمه في سجودي وقلت اللهم زده.

انتهت الصلاة وجلست لأردد أذكار ما بعد الصلاة حتى رأيت الشاب يجلس أمامي ويُقبّل رأسي ويقول :

سأشهد لك يوم القيامة أمام الله أنك كُنت سبب ما أنا عليه الآن.

فهممتُ لأقول له من أنت يا فتى!؟

فقطع ذلك صوته الذي كان يبتسم من شدة الفرحة وهو يقول :

يا عمي ، هل لك أن تقرأني مرة أو أكثر حتى أحفظ السورة جيدًا.

فتذكرته إنه ذلك الصبي الذي علمته قبل سبع سنوات ، قد أصبح إماما للمسجد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?