الضرائر
كان ببغداد رجل يبيع الثياب له ثروة مهمة ، فبينما هو في حانوته أقبلت إليه صبية فالتمست منه شيئا تشتريه ،
فبينما هي تحادثه كشفت عن وجهها في خلال ذلك ، فتحير وانبهر وقال : قد والله تحيرت مما رأيت.
فقالت : ما جئت لأشتري شيئا ، إنما لي أيام أتردد إلى السوق ليقع بقلبي رجل أتزوجه ،
وقد وقعت أنت بقلبي ، ولي مال ، فهل لك في أن تتزوجني؟
فقال لها : لي إبنة عم وهي زوجتي ، وقد عاهدتها ألا أغيرها ، ولي منها ولد.
فقالت : قد رضيت أن تجيء إلي في الأسبوع مرتين.
فرضي ، وقام معها ، فعقد العقد ، ومضى إلى منزلها ، فدخل بها.
ثم ذهب إلى منزله ، فقال لزوجته : إن بعض أصدقائي قد سألني أن أكون الليلة عنده.
ومضى ، فبات عندها ، وكان يمضي كل يوم بعد الظهر إليها ، فبقي على هذا الحال ثمانية أشهر ،
فأنكرت إبنة عمه أحواله فقالت لجارية لها : إذا خرج فانظري أين يمضي؟
فتبعته الجارية ، فجاء إلى الدكان ، فلما جاء الظهر قام ، وتبعته الجارية ، وهو لا يدري ،
إلى أن دخل بيت تلك المرأة ، فجاءت الجارية إلى الجيران فسألتهم : لمن هذه الدار؟
فقالوا : لصبية قد تزوجت برجل تاجر ( بائع ثياب ).
فعادت إلى سيِّدتها ، فأخبرتها ، فقالت لها : إياك أن يعلم بهذا أحد ولم تُظهِر لزوجها شيئًا الذي قضى مع المرأة عاما كاملا.
مرض الزوج ومات وخلف ثمانية آلاف دينار ، فعمدت المرأة التي هي إبنة عمه إلى ما يستحقه الولد من التركة ،
وهو سبعة آلاف دينار ، فأفردتها وقسمت الألف الباقية نصفين ، وتركت النصف في كيس ، وقالت للجارية :
خذي هذا الكيس واذهبي إلى بيت المرأة ، وأخبريها أن الرجل مات ، وقد خلف ثمانية آلاف دينار ،
وقد أخذ الإبن سبعة آلاف بحقه ، وبقيت ألف فقسمتها بيني وبينك ، وهذا حقُّك ، وسلِّميه إليها.
إقرأ أيضا: كان رجل ثري يزور معرضا للرسم
فمضت الجارية ، فطرقت عليها الباب ودخلت ، وأخبرتها خبر الرجل ، وحدثتها بموته ،
وأخبرتها الحال فبكت وفتحت صندوقها ، وأخرجت منه رقعة ، وقالت للجارية :
عودي إلى سيدتك ، وسلمي عليها عني ، وأخبربها أن الرجل طلقني وكتب لي براءة ،
وردي عليها هذا المال فإني ما أستحق في تركته شيئًا.
فلا ندري أنعجب من عقل الأولى وتقواها وحكمتها وعدلها رغم مصابها وغيرتها ،
أم من سعة عقل الثانية وحسن تصرفها وفرادته؟!
مع أنه لم يطلقها لكنها آثرت ضرتها بميراثها من زوجها وهو نصف الثمن.