Jannah Theme License is not validated, Go to the theme options page to validate the license, You need a single license for each domain name.
قصص منوعة

الطفل والإصبع الذهبي الجزء الثاني

الطفل والإصبع الذهبي الجزء الثاني

دخل الولد مروان الدّار ، وصلّى ، ثمّ جلس يتلو القرآن ولمّا أتم القراءة ، إلتفت إلى صاحب البستان ،

وقال له هناك إمرأة ثالثة تعيش هنا أليس كذلك؟

استبدّت الدّهشة بالرّجل ، وقال له : هذا صحيح! لكن كيف عرفت ذلك؟

أجاب الولد: لقد أحسست بذلك ، وأعرف أنّ قلبك محتار ، والآن دعني أذهب للزّريبة فهناك يوجد الجواب عن كلّ تساؤلاتك!

قال صاحب البستان في نفسه : هذا الولد مبارك ، فلقد فهم في لحظة واحدة ما أخفيته منذ خمسة عشرة سنة ،

وأذن له بالذّهاب ، راجيا أن يحمل له خبرا يريحه من الألم الذي يعيش فيه.

دفع مروان باب الزّريبة ، فرأى إمرأة قذرة مكوّمة على نفسها في ركن ، وهي تنحت قطعة خشب ،

إقترب منها وألقى عليها السّلام ، فالتفتت بدهشة نحوه ، ورمقته بطرف عينها ، فرأت أنّه جميل الوجه وطويل القامة ،

ثم قالت : ويحك من أنت! وكيف تركك ذلك الرّجل تدخل إلى هنا؟

فجلس ، وقال : لقد شاهدت الدّمية التي تخفينها في الغابة ، وأريد أن أعرف قصتك!

همست : إخفض صوتك ، ذلك الرّجل زوجي ، ولو عرف أنّي أخرح للغابة سيكون موقفي صعبا ،

فهو يقفل علي الباب ، لكنّي حفرت نفقا يقود إلى الخارج ، وكلّ يوم أذهب للغابة ،

والدّمية التي رأيتها هي إبني الذي إختفى مني ليلة مولده ، ووجودها يجعلني أنسى أعانيه من حزن.

هذه هي قصّتي ، والآن قل لي من أنت؟ خلع مروان حذائه ، وأرها قدمه اليمنى المقطوعة الإصبع ،

وقال لها: ألا يذكّرك ذلك بشيء؟

شهقت عيشوشة ، وصاحت : لا يمكن! هل هو أنت؟ قال : نعم يا أمّي ، لقد وجدني صيّاد سمك فقير وحملني عنده ،

وربّاني حتى كبرت ، والآن رجعت إلى قريتي.

قالت :هل تصدّق أني أحسست كأنّي أعرفك ، فلقد كنت أراك في الحلم تزورني ، إقترب يا بنيّ لأضمّك لصدري!

إقرأ أيضا: الظلم ظلمات قصة واقعية

بكت وسالت دموعها على خديها ، فقال الولد : تعالي معي لأعلم أبي ، فلا شكّ أنّه سيفرح بقدومي!

ردّت عليه : لا أعتقد أنّها فكرة جيّدة ، ولا آمن غدر رفيقتاي اللتان دبّرتا قتلك ، وهذه المرّة لن تنجو منهما ،

ولم أكن أعتقد أن الطّمع يمكن أن يغيّر الإنسان لهذه الدّرجة ، فرغم صداقتنا كانتا تتمنّيان هلاكي ،

وتتركاني أعاني من الجوع وأنا محبوسة في الزّريبة حتى اضطرّرت لأكل شعير الدّواب.

أمّا زوجي فهو مغلوب على أمره وهما تسحرانه حتى لا يعرف الحقيقة.

فكّر قليلا ، ثم قال : عندي حلّ يا أمّي ، سآخذك إلى دار صيّاد السمك فهي على مسافة يومين من هنا ، وسنعيش معا!

ردّت عليه : ومن أين سأنفق على نفسي؟ أجابها : الله كريم!

سأنتظرك هذه الليلة في الغابة ، فلا تتأخّري ، والآن سأجعل تلك المرأتان تدفعان ثمن غدرهما.

فجاء إلى أبيه وقال له هل تريد أن تعرف الحقيقة ، أجابه : طبعا ، هذا ما أبحث عنه منذ زمن.

صمت الولد قليلا ثم قال : أنصحك أن تحذر من زوجتيك ،فهما لئيمتين ، وسبب كلّ مشاكلك ،

أمّا عن إبنك فهو حيّ ، ولقد أنجاه الله منهما ، والآن سأتركك!

قال الرّجل : إنتظر لا بد من إعطائك مكافئة ، فكلّ ما قلته إلى حدّ الآن صحيح لهذا فأنا أصدّقك ،

ثمّ مدّ له صرّة كبيرة من الدّراهم ، فأخذها مروان ، وحمد الله على نعمته وفي طريقه للغابة اشترى طعاما ، وسلاحا ،

وكيسين كبيرين وضع فيهما الدّمية والتحف التي صنعتها أمّه ، ثم جلس ينتظرها ، وحين أظلمت الدنيا جاءت عيشوشة ،

فأركبها على حصانه ، ومضيا في سبيلهما ، ومشيا طول الليل ، وعند طلوع الصّباح كانا قد إبتعدا كثيرا عن البستان.

فشعرت المرأة بالرّاحة ، ولمّا وصلا لقرية الصّياد أخذ الولد أمّه للحمّام وذهب للسّوق واشترى لها ثيابا جديدة ،

وفجأة سقط أحد أكياس التّحف ، فتبعثرت محتوياته ، وكان أحد التّجار مارّا على بغلته ،

فلمّا رأى التّحف على الأرض نزل وأخذ أحدها وقلّبه ، فسأله كم تبيع هذه القطعة؟

إقرأ أيضا: أنا مديرة مدرسة في الشرقية

أجابه: ليست للبيع ، لكنّي أعطيها لك هديّة.

رجع مروان بالثّياب وقارورة عطر للحمّام ، ولبست المرأة ملابسها الجديدة ، وتعطرت ، ولمّا شاهدها إبنها لم يعرفها لشدّة حسنها ،

ثم أخذا معهما كثيرا من الهدايا ، وقصدا دار صيّاد السمك.

دقّ الولد وأمّه الباب ففتح لهما الرّجل ، ولمّا رآهما فرح فرحا شديدا ، وجاءت إمرأته تجري ،

ورحّبت بهما ودموعها تتساقط من عينيها ، وطبخت لهما الطعام فأكلا واستراحا بعد هذه الرّحلة الطّويلة.

وفي الصّباح قال الولد للصّياد : غدا سآخذ القارب والشّبكة ، وأخرج إلى النّهر ، فلا أريد أن تكون أمّي عالة على أحد ،

ولمّا رأى الصّياد إصراره ، قال له : لقد كبرت ، ومن حقّك أن تربح قوتك بعرق جبينك!

أمضى الولد أيّاما وهو يكدّ ويتعب لكن الرّبح كان قليلا ، ولن يكون له وأمّه بيتا مستقلاّ ، وكان ذلك يصيبه بالإحباط.

لكن ذات يوم سمع طرقا على الباب ، ووجد أمامه التّاجر الذي رآه في السّوق ، وقال له :

يجب أن نتكلّم ، أنا مستعدّ أن أشتري منك التّحفة الواحدة بثلاثة دراهم!

فكّر مروان وقال : هذا ثمن جيّد ، فأنا لا أربح من بيع السّمك سوى عشرة دراهم ،

فكلّم أمه فأجابته : لم أعد أستحقها بعد أن وجدتك ، يمكنك بيعها إن أردت.

أخذ التاجر الكيسين ، وأعطاه ستمائة درهم ثمنا لها ، وكانت مبلغا كبيرا بالنّسبة لمروان ،

فقال لأمّه : سأشتري الخشب وما يلزم ، وعلّميني هذه الصّنعة ، ونشتغل معا ،

وبعد مدّة أتقن النّحت والرّسم ، وبدأ يصنع تحفا جميلة ، وعليها ألوان زاهية ، وزادت أرباحهما ،

فوسّعا منزل الصّياد ، وزرعا فيه أصناف الأشجار المثمرة ، وصار لهم قطيع من الأغنام ،

وأصبح الولد ينزل إلى المدينة كلّ أسبوع ، ويبيع تحفه للدّكاكين.

إقرأ أيضا: قصة المحتال والحمار!

وذات يوم بينما كان يدور في أحد الأسواق الكبيرة ناداه رجل ، ولمّا إلتفت وراه رأى أباه فسلّم عليه ،

وسأله عن حاله فأجابه أنّه طلق إمرأتيه بعد أن فاجأهما يدسّان نباتا غريبا في برّاد الشّاي ،

ولمّا كفّ عن شرب تلك النبتة رجع له صفاء ذهنه ، وندم على معاملته القاسية لزوجته الثالثة التي فرت من الزريبة ،

ولقد بحث عنها في كل مكان ولم يجدها ، وشكره ، فبفضله يعيش الآن مرتاحا بعدما علم أن إبنه حيّ يرزق.

وهنا لم يتمالك مروان نفسه ، وبكى ، ثم قال له : أنا إبنك يا أبي ذو الإصبع الذهبية ،

ونزع حذائه ، فصاح الأب : كيف فعلت لإرجاعه!

وأجاب الولد : لا شيء ، فقط ألصقته مكانه ، وأعلمك أنّ أمي معي ، وبإمكانك رؤيتها ،

طبعا إذا مازال يعنيك أمرها!

كانت عيشوشة جالسة في منزل الصياد حينما دخل عليها زوجها ، وقال لها :لقد إنتهى كل شيء ،

وطلقت صديقتيك بعد أن كشفت أمرهما ، وأريد منك أن تسامحني ،

فقد أخطأت في حقك ويعلم الله أني كنت دائما أفكر فيك.

لكن سرعان ما أحسّ أنك شيطانة ، فأهرب منك ، واكتشفت أن ذلك بسبب السّحر الذي يضعونه لي في الشاي!

أجابته : كنت أعلم بذلك ، فقد كنت أستمع لما يقولان وأنا في الزريبة ، وحتى لو قلت لك فلن تصدقني ،

أجابها سأعوّضك أنت وإبنك على ما فات ، وانشأ لكما ورشة كبيرة للتحف ، وسأقدّمكما لأصدقائي من كبار التجار.

فودع الولد وأمه صياد السمك وزوجته وقالا لهما كل ما إشتريناه وبنيناه هو لكما ،

والغنم والأشجار المثمرة ستعطيكما مالا كافيا لتعيشان في خير ، وسنأتي كل شهر لزيارتكما!

إقرأ أيضا: الطفل والإصبع الذهبي الجزء الثالث

واصلت عيشوشة صناعة التّحف ، وأمّا مروان فأغرم بالرّسم والنّقش على الخشب ، وذات يوم سمع به الوالي فاستدعاه لتزيين قصره ،

ولمّا أتم الولد عمله إندهش الوالي من جمال الرّسوم ، وكافئه بسخاء وبلغ الأمر السّلطان الذي طلب منه تزيين قاعة العرش ،

فرسم على السّقف السّماء ، والشمس ، والسّحب والأطيار ،

ولشدّة إتقانها كان يخيّل لكلّ من ينظر إلى السّقف أنّه يجلس خارج القصر.

وكانت الأميرة أشواق إبنة السلطان تحب الفنّ ولمّا يأتي مروان تقف وتنظر له وهو يعمل ،

وكانا يتحدثان معا ، ثم تخرج للفسحة في الغابات وقطف الزهور مع بنات الوزراء والحاشية وتناول الطعام على العشب الأخضر.

لكن لاحظت صديقاتها أنها لم تعد تخرج معهن ، وحين بحثن عليها وجدنها جالسة على زربيّة وتأكل مع مروان ،

وقد بانت على وجهها السعادة ، فتغامزن مع بعضهن ، وقلن لها الحق في أن تعشق ذلك الولد وهو وسيم جدّا وظريف ، ويبدو أنّه يحبها.

يتبع ..

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
× How can I help you?