الغولة وابن الملك الجزء الأخير

الغولة وابن الملك الجزء الأخير

سار ابن الملك على مهرته وحيداً في البراري
بعد أن أمن شرَّ الغولة ، وأثناء سيره وجد ريشة طيرٍ مكتوب عليها :

«مَن يأخذني يندم ومَن يتركني يندم».

فقال في نفسه إذا تركتها فأنا نادم وإذا أخذتها فأنا نادم ، فآخذها وأندم أفضل من أن أتركها وأندم ، وهكذا فعل.

وسار حتى وصل إلى أقرب بلدٍ وبات فيها ، وكان مبيته قريباً من قصر ملك تلك البلاد. وفي الليل غنّت الريشة غناءً شجيا ،

وطرب ابن الملك لغنائها ، وسمع ملك تلك البلاد ذلك الغناء الشجيّ فقال آتوني بالمغنّي ،

فبحثوا عن مصدر الغناء وسألوا الناس القريبين من المكان عن مصدر هذا الغناء ، فأنكروا خبره ،

وقال بعضهم إنهم لم يسمعوا به.

وأخيراً قال أحدهم ربما يكون مع هذا الغريب ، وعندما سألوه قال نعم ، إنها هذه الريشة ،

وهي التي كانت تغني في الليل بذلك الصوت الشجي.

فأخذوه للملك ، وعندما عرف الملك بأن الريشة هي التي كانت تغنِّي ،

قال لها : غنِّ يا ريشة ، فقالت لا أغني حتى تأتوني بطَيْرِي ،

فقال الملك : ومن يستطيع أن يأتي بطيرك ، فقالت الذي أتى بي يستطيع أن يأتي بطيري.

فقال ملك تلك البلاد لذلك الغريب : أمهلك ثلاثة أيام وثلث اليوم على أن تأتيني بطيرها ،

وإن لم تفعل ، فسوف أقطع رأسك.

فخاف ابن الملك الصغير وندم على حمله لتلك الريشة وقال هذا أول الندم.

وسار ابن الملك على وجهه ، والهمّ يعتصره ويأكل قلبه ، ورأته المهرة وهو على هذه الحالة ،

فقالت له : ما الذي جرى لك ، ولماذا أنت قلق ، فأخبرها بالقصة.

فقالت له : لا تقلق فهذا من أسهل الأمور ، فقال لها : كيف ذلك ، فقالت : اذهب إلى الملك واطلب منه قفصاً ، وحبّةً سوداء وتعال إلي.

إقرأ أيضا: قابلت في بلدتنا الصغيرة في إحدى المناسبات رجلا

فذهب للملك فأعطاه ما طلب ، وعاد فدلته المهرة على مكان يضع فيه القفص ويضع فيه الحبة السوداء.

وجاء الطير ، ودخل في القفص وأخذ يأكل من الحبة السوداء ، فأغلق ابن الملك القفص عليه ، وأخذه إلى الملك.

فقال الملك : غنِّ يا ريشة ، فقالت لا أغَنِّي حتى يُغَنِّي طيري ، فقال غنِّ يا طير ، فقال لا أغنّي حتى تأتوني بزوجي.

فَقال الملك ومن يستطيع أن يأتيك بزوجك ، فقالت الذي أتى بالريشة ، وأتى بي هو الذي يستطيع أن يأتي بزوجي.

فقال الملك : أمامك ثلاثة أيام وثلث اليوم لتأتي به ، وإن لم تأتِ به أقطع رأسك.

وسار ابن الملك على وجهه ، وهو حيران قلق ، والحزن ينهش قلبه ،

ورأته المهرة وهو على هذه الحال فقالت ما بك هكذا ، وما الذي أصابك فأخبرها بقصته ، فقالت وهذا هيّن أيضا.

فقال لها وماذا أفعل ، فقالت : عُد إلى الملك واطلب منه عربتين مملوءتين بالألبسة وتعال إليّ.

فعاد إلى الملك وأعطاه ما طلب ، فقالت المهرة : اذهب الآن إلى السوق وبع هذه الألبسة بنصف الثمن ،

وعندما يأتي زوج الطير سأدلك عليه ، فأغلق عليه الباب وأمسك به.

وذهب ابن الملك إلى السوق وذهبت معه المهرة وصار يبيع الملابس بنصف الثمن وأقل من النصف ،

وتهافت عليه الناس وبدأوا يزدحمون حوله ، وأقبل زوج الطير وأراد أن يشتري فقالت له المهرة هذا هو ،

فقال له ابن الملك ادخل واختر ما تريد من الملابس.

فدخل ، وعندها أغلق ابن الملك عليه الباب ، وحمله وسار به إلى الملك ،

فقال الملك : غنِّ يا ريشة فقالت لا أغني حتى يغني طيري ،

فَقال غنِّ يا طير ، فقال لا أغني قبل أن يغني زوجي.

قال غنِّ يا زوجها. فقال لا أغني حتى تأتوني بخاتمي.

فقال الملك : وأين هو خاتمك ، فقال : سقط في البحر ، فقال ومن يستطيع أن يأتيك به.

إقرأ أيضا: صياد الحمام والوالي

فقال الذي أتى بالريشة والطير وبي ، هو الذي يستطيع أن يأتي بخاتمي ،

فقال الملك أمامك ثلاثة أيام. إذا أحضرت خلالها الخاتم عفوت عنك ، وإذا لم تحضره أقطع رأسك.

فذهب ابن الملك وهو يكاد يجنّ ، وهو يضرب كفاً بكف وقد بدا القلق على وجهه وهو يقول :

كيف أستطيع أن أُحضر خاتماً سقط في البحر ، وأين أبحث عنه يا إلهي ، وفي أي مكان من البحر؟!

ورأته المهرة وهو على هذه الحال البائسة ، فسألته عما حدث له فأخبرها بما طلب منه الملك ،

فهدأت من روعه وقالت وهذا أيضاً أمر هيّن ، عُد الآن إلى الملك واطلب منه سفينتين مليئتين باللحم وتعال إليّ.

فذهب إلى الملك وأعطاه ما طلب ، وعاد إلى المهرة فقالت : أنزل الآن بسفينتيك إلى البحر وارمِ قطع اللحم هنا وهناك في أماكن مختلفة من البحر حتى يخرج إليك ملك السمك ،

وهو الذي سيعطيك مرادك إن شاء الله.

فنزل إلى البحر وصار يرمي قطع اللحم هنا وهناك والسمك يلتهمها بنهم ،

ورآه ملك السمك فخرج إليه وقال له : ما بك أيها الرجل ولماذا ترمي هذه اللحوم إلى البحر ،

فقال إني أبحث عن خاتم لي سقط في البحر ، فقال ملك السمك انتظر قليلاً وسأدعو جميع السمك الذي في البحر ،

فدعا السمك وأمرها جميعاً أن تقذف ما في بطونها ، ففعلت الأسماك جميعاً ما أمرها به ملكها ولكنهم لم يجدوا الخاتم ،

وأخيراً رأوا سمكةً متأخرة يبدو عليها التعب والإعياء ، وعندما قذفت ما في بطنها وجدوا الخاتم ،

فأخذه ابن الملك وعاد إلى الملك بعد أن شكر ملك السمك.

وأعطى الخاتم للطائر وسأله هل هذا خاتمك فقال نعم ، فقال الملك إذن غنِّ يا ريشة فقالت لا أغني حتى يغني طيري.

فَقال : غنِّ يا طيرها ، فقال لا أغني حتى يغني زوجي ،

فَقال غنِّ يا زوجها فقال لا أغني حتى تشعلوا ناراً ثلاثة أيام ويدخلها الذي أتى بي إليك ويقف فيها ثم يعود ويخرج إلينا دون أن تمسّه النار بأذى.

إقرأ أيضا: قصة الشاب المجادل لنبيه

وأعطى الملك مهلة ثلاثة أيام وثلث لابن الملك التعيس الحظ ليهيئ نفسه للدخول في النار والوقوف فيها ،

وشعر ابن الملك بأن نهايته قد اقتربت ، وقال في نفسه لا مفر من الموت في هذه المرة ، ولن أنجو كما نجوت في المرات السابقة.

وأمر الملك بإشعال النار فأشعلوها حامية عالية ، ورأت المهرة آيات القلق والخوف والحزن ترتسم على وجه ابن الملك ،

فسألته عما حدث له.

فأخبرها بقصة النار ، فقالت : أحضِر إناءً وأملأه من عَرَقِي واغسل به جسمك قبل أن تدخل النار بقليل ،

وادخل النار فلن تؤذيك بعون الله تعالى.

وعندما جاء اليوم المحدّد غسل ابن الملك جسمه بعرق المهرة ودخل النار أمام الجميع ،

ووقف داخلها عدة دقائق فلم تؤثر فيه ولم تؤذه بالمرة ، ثم خرج منها سليماً معافى.

فقال الحاضرون : إذا كان هذا الصعلوك الفقير يدخل النار ولا تؤذيه فكيف أنت يا ملك الزمان ،

فتجرأ الملك أمام شعبه ودخل النار ولكنه لم يخرج منها فقد أحرقته والتهمته ألسنتها الحامية ،

وأراحـت النـاس منه ومن ظلمه.

وعندها قال الشعب بلسانٍ واحد ، لا يليق بالمُلك علينا إلا هذا الشاب الذي فعل الأعاجيب ودخل النار ولم تحرقه ،

ونصبوه ملكاً عليهم ، وغنّت له الطيور في كل يوم وأدخلت الفرحة على قلب الملك الجديد ،

وفرح سكان البلدة بملكهم الذي أحبهم ، وحكم بينهم بالعدل والمحبة.

Exit mobile version